إردوغان في البيت الأبيض: دعم لحملة ترامب؟

لكن بعد تحديد الموعد في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، دخلت على خطّ العلاقات المتحسّنة بين الرجلين مجموعة من التطورات السلبية المؤثرة على العلاقات بين البلدين. من ذلك قراران لمجلس النواب الأميركي: الأول يعترف بأن المجازر التي ارتكبتها السلطنة العثمانية عام 1915 ضد الأرمن كانت «إبادة»؛ والثاني يفرض رزمة عقوبات اقتصادية على تركيا ربطاً بعمليتها العسكرية ضد الأكراد. في الأول، كانت المفاجأة أن «الحزب الجمهوري» وافق على المشروع الذي قدمه «الحزب الديموقراطي»، لينال القرار شبه إجماع غير مسبوق. أما الثاني، فهو فرض عقوبات على مصارف تركية وشخصيات (من بينها ما يتعلق بعائلة إردوغان) ومنع تصدير أسلحة. والمفاجأة أيضاً أن القرار الخاص بالإبادة كان بعيداً زمنياً عن موعد إحياء ذكراها في 24 نيسان/ أبريل من كلّ عام. كما أن فرض العقوبات جاء بعد السماح رسمياً لتركيا بالقيام بعملية عسكرية في شرقي الفرات، والتخلي رسمياً عن «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد). لذا، فإن قرار مجلس النواب، الذي جاء بتحريك من «الديموقراطيين»، كان يصبّ أولاً في خانة كسب الناخبين الأرمن ومن يتأثر باللوبي الأرمني في الولايات المتحدة في سنة الانتخابات الرئاسية، ويتعلق ثانياً بلجم اندفاعة ترامب نحو الانسحاب من سوريا. وربما كان ذلك مؤثراً على قرارات ترامب الذي «استدرك» بالإعلان أنه سيبقى في سوريا في مناطق آبار النفط في منطقة دير الزور والحدود العراقية، بل سيزيد من عدد جنوده هناك، داعياً «قوات الحماية» الكردية إلى أن تكون إلى جانب الجنود الأميركيين؛ «حرس حدود» مناطق النفط.
إردوغان منزعج من تصويت النواب الجمهوريين إلى جانب القرارين
لكن ترامب لم يكن ليكتفي بهذا القرار للردّ على أو لمواجهة حملة «الديموقراطيين» عليه ومحاولة عزله قضائياً. فهو لا يكتفي بالإعلان عن بقائه في مناطق النفط، بل يريد من إردوغان أن يقف إلى جانبه في المعركة ضد «الديموقراطيين». لذا، بعد صدور قرارَي مجلس النواب ضد تركيا، أعلن إردوغان أنه غير واثق بعد من أن زيارته لواشنطن ستتمّ، فيما قال مسؤول في القصر الرئاسي في أنقرة لصحيفة «حرييت» إن «مجموعة في الولايات المتحدة تعمل على منع اللقاء بين ترامب ورئيس جمهوريتنا وتخاف من التنسيق الحاصل على المستوى الشخصي بين الزعيمين، ويجب ألّا نتعامى عن ذلك، وهذه المجموعة تريد أن ترفع جداراً يفصل بين تركيا والولايات المتحدة». على الرغم من الدعم الأميركي للأكراد في سوريا، فإن إردوغان يعرف أن هذا الدعم بدأ واستمرّ في عهد باراك أوباما، وأن ترامب ــــ على رغم استمرار دعمه للأكراد ــــ كان منذ وصوله إلى الرئاسة يريد الانسحاب من سوريا، بل هو الذي فتح الباب أمام الانسحاب الفعلي ودخول تركيا إلى سوريا وإقامة «المنطقة الآمنة». لكن إردوغان منزعج من تصويت النواب «الجمهوريين» إلى جانب القرارين، على رغم المبرّرات التي تذرّعوا بها. لذا، كان التردّد التركي في الذهاب إلى لقاء ترامب. إلا أنه في حسابات الربح والخسارة، فإن إردوغان يفتقد دعم «الديموقراطيين»، وفي عدم ذهابه فإنه سيفتقد دعم ترامب الشخصي ويخسر كلّ شيء. في المقابل، فإن ترامب يريد مواجهة حملة «الديموقراطيين» عليه بمنع تحقيق هدفهم، وهو إفشال سياساته وعلاقاته الجديدة مع إردوغان، بدعوة الأخير إلى تلبية الزيارة، وإظهار مكاسب أميركا أمام الرأي العام الأميركي من علاقات جيدة مع تركيا ربما تكون على شاكلة صفقات عسكرية أو اقتصادية جديدة مربحة للمصالح الأميركية. أما الخطوة الأخرى لمواجهة «الديموقراطيين»، فهي في إعلان ترامب بقاءه في مناطق النفط السورية بما يحقق لأميركا مكاسب (هي عملياً سرقات) نفطية تنسجم مع نمط تفكير ترامب. لذلك، تبدو زيارة إردوغان للبيت الأبيض على قاعدة «إردوغان رابح ــــ ترامب رابح»، والعبرة في نتائج الزيارة.