السبت 05 تموز 2025 الموافق 10 محرم 1447
عاجل
آخر الأخبار

بانتظار رئيس وزراء «حازم وشجاع»: الفوضى تضرب العراق

ياصور
شرّعت استقالة عادل عبد المهدي أبواباً موصدة. أمنٌ هشٌ وارتباكٌ سياسي، وترويج البعض لـ«التقسيم»، تزامن في وقتٍ متأخرٍ من ليل أمس مع هجومٍ شنّه تنظيم «داعش» في ديالى، شرق البلاد. «الجنون»، لا غيره، يعصف بالمحافظات الجنوبية؛ قدسية «النجف» وحرمة القبور هشّمتها مجموعات تخريبية تعمل وفق أجندات سياسية، تستثمر المشهد المربك، لتكريس الميدان العراقي ساحةً لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. القوى السياسية تبحث عن وجهٍ توافقي للملمة الأزمة، والإعداد لانتخابات مبكرة، من شأنها حسم مستقبل الوجهة السياسية لـ«بلاد الرافدين»
إنها الفوضى الأمنية والإرباك السياسي. العاصمة العراقية بغداد تعيش لحظات حرجة، وتخوّف من انهيار أمني يطال معظم المحافظات الجنوبية. «الفتنة» الأمنية ــ السياسية، والتي حُذّر منها سابقاً، وحاول بعض القوى السياسية ــ أي حلفاء طهران ــ استيعابها، إلى جانب الحكومة الاتحادية المستقيلة برئاسة عادل عبد المهدي، لا تزال سارية المفاعيل. قوى داخلية وأخرى إقليمية ــ دولية، أجادت «امتطاء» الحراك المطلبي المستمر منذ 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي. «هذه القوى تقود البلاد إلى المجهول»، بتعبير مصدرٍ أمني، يؤكّد في حديثه إلى «الأخبار» أنها «أوعزت إلى أدواتها المحلية باستثمار استقالة عبد المهدي، وإشعال مدنٍ محدّدة ــ أي مدينة النجف (جنوبي العاصمة) مقرّ الحوزة الدينية»، للضغط أكثر على «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، من دون أن يغفل المصدر أن هدفها «ليس ضغطاً بل إلحاق الأذى بالمرجعية»، في خطوة «مجنونة» من شأنها مباشرة جرّ «الشارع الشيعي إلى اقتتال بين أطرافه».
هذه «الهواجس»، المسيطرة على دوائر قرار العاصمة، والقوى المؤثرة في المشهد السياسي، خلصت إلى أن الرياض وأبو ظبي مستمرتان في تقديم الدعم المالي واللوجستي (وتحديداً على مستوى الجيوش الإلكترونية) للمجموعات المخرّبة، المنتشرة في الساحات الجنوبية إلى جانب قوى دينية متطرّفة مموّلة بريطانيّاً، وجمعياتٍ تعمل بتوجيه من السفارة الأميركية في بغداد، لـ«خلق الفوضى ونشرها في معظم المساحات الممكنة». كل ذلك، وثمة أطراف داخليون، وتحديداً «التيّار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر، يستثمرون هذه اللحظات لتصفية حساباتهم المحلية والإقليمية، بالتزامن مع ارتفاع خطابٍ في شمال البلاد وغربها، يقضي بضرورة «التضامن مع الثورة الشيعية». إلا أنّ الهدف ــ وفق مصادر سياسية عديدة ــ محاولة بعض القوى استثمار تناقضات «البيت الشيعي»، لفرض نفسها في التركيبة الحكومية المقبلة على قاعدة «الأمر الواقع»، في خطوةٍ من شأنها تعقيد المشهد أكثر. لكن، ثمة من يذهب إلى القول إن «هذه المطالب أقرب إلى أن تكون حفاظاً على أمن تلك المحافظات، وجعلها كإقليم كردستان، منفصلة والحجّة أسباب أمنية».
وما يزيد من التشاؤم، تزايد المخاوف من انفلات ما تبقى من «الاستقرار الهش»، خصوصاً أن النجف تحديداً شهدت في الساعات الماضية «حفلة جنونية»، لم تستطع القوى الأمنية ضبطها، إلا «بشقّ الأنفس»، وتسعى إلى الحفاظ على ذلك مع «ترجيحٍ بتدهور الأوضاع في الساعات المقبلة»، كما ينقل مصدر أمني رفيع المستوى. ولكن، في المقابل، ثمة من يراهن على دور العشائر الملتزمة بقرار «المرجعية»، والمساهمة في ضبط الوضع الأمني، والحيلولة دون سقوط المزيد من القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين والقوات الأمنية، التي تعيش حالة من التخبّط الكبير لناحية القرار والتوجيه، والقدرة على «استيعاب الموقف».
سيواجه الرئيس المقبل «انتحاراً» سياسياً لناحية دقّة المرحلة وخطورة التحديات

كل ذلك والدولة بلا رئيس وزراء، إنما بإدارة حكومة تصريف أعمال لمدة 30 يوماً، قبل أن تُنقل صلاحياتها إلى رئيس الجمهورية وفق ما نصّ عليه الدستور. عملياً، أمام القوى السياسية، وتحديداً «البيت الشيعي»، 15 يوماً لاختيار الرئيس المقبل. معلومات «الأخبار» تشي بأن «الأسماء/ الخيارات لم تطرح بعد»، فالنقاشات دائرة حول مواصفات الرئيس ودوره وصلاحياته ومهامه. ووفق المعلومات، فإن المعيار الرئيس لـ«حاكم بغداد» هو «الحزم والشجاعة»، الأمر الذي سبق أن تطرّقت إليه «المرجعية» في أحد بياناتها في تموز/ يوليو 2018، قبيل تسمية عبد المهدي رئيساً للوزراء. فالمرحلة المقبلة تتطلّب حزماً وقوّةً، أقلّه من الناحية الأمنية، لضبط انفلات الميدان العراقي، الذي بات ساحة لتصفية الحسابات المحلية والإقليمية والدولية. وتضيف المعلومات أن الرئيس المقبل يجب أن يكون مستقلاً وبعيداً عن أي طرف، يحظى بإجماع الكتل السياسية ورضا «المرجعية»، مع الأخذ بعين الاعتبار حساسية الموقع لناحية علاقات العراق الإقليمية والدولية.
ويجري الحديث، أيضاً، عن ضرورة اختيار وجوه ليست صفّاً أول، بل من «الصف الثاني»، وتمتّع الرئيس بصلاحياتٍ واسعة بعيداً عن الضغوط السياسية الحزبية والطائفية، لأن مهمته الوحيدة ستكون إجراء انتخابات نيابية مبكرة في العام المقبل، بعد إقرار البرلمان لقانون الانتخابات التشريعية.
عملياً، سيواجه الرئيس المقبل «انتحاراً» سياسياً، لناحية دقة المرحلة وخطورة التحديات التي يواجهها، بتعبير أكثر من مصدرٍ سياسي مطّلع؛ هذا «التقدير» قد يدفع بعض المرشحين إلى «رفض تحمّل المسؤولية، ورفض تكليفه»، وهو ما ترجمته كتلتا «سائرون» المدعومة من زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، و«النصر» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، برفض تسمية المرشح، في خطوة قد تنتهجها قوى أخرى، على قاعدة «إنهاء المحاصصة الحزبية والطائفية، والتنازل عن هذا الحق للمتظاهرين»، بتعبير «سائرون»، التي أضافت في بيانها أن «الشعب هو خيارنا وعلى رئيس الجمهورية مراعاة ذلك».
ورغم تفاؤل الأمين العام لـ«حزب الدعوة الإسلامية» نوري المالكي، بـ«سقوط القناع عن مؤامرة الفوضى الخلّاقة ومن يقف وراءها ممن هم خارج الحدود»، والتأكيد «على انتصار الإرادة التغييرية السلمية وانتهاء الأيام الصعبة»، فإن القوى السياسية ما زالت عاجزة عن لملمة شتاتها، وقد بدا ذلك خلال اجتماعات ممثليها، في الساعات الماضية، مع الرهان على أن يتمكّن البرلمان، هذا الأسبوع، من مناقشة قانوني الانتخابات والمفوضية، وإقرارهما.

مبادرة لضبط «حفلة الجنون» في النجف
بالإجماع، صوّت البرلمان العراقي، أمس، على قبول استقالة حكومة عادل عبد المهدي، عقب الأحداث الدموية التي عصفت بمدينتَي النجف والناصرية، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى. في الوقت نفسه، وجّه رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، بالانتقال فوراً إلى محافظتَي ذي قار والنجف للمشاركة في وضع «خطّة أمنية» لحماية المتظاهرين، خاصة أن حدّة الفوضى المتصاعدة بشكل «جنوني» دفعت بسلطات محافظة النجف إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى، وبنسبة 100 في المئة.
وللمرّة الثانية خلال أسبوع، اشتعلت النيران في مبنى القنصلية الإيرانية في النجف، قبل أن تتمكّن فرق الدفاع المدني من إخمادها، بعدما أحرق محتجون جزءاً من ضريح مؤسس «المجلس الإسلامي الأعلى» محمد باقر الحكيم. وأصدرت إدارة المرقد توضيحاً حول الاتهامات التي وُجّهت إليها بقتل عدد من المتظاهرين في المدينة، مشيرةً إلى أنه «عند انتشار خبر الاعتداء على المرقد، توافد عدد من محبّيه من أبناء الحشد الشعبي وغيرهم من داخل النجف والمناطق القريبة إلى المنطقة، وأخذوا بالتصدي للمهاجمين، وتمّ ذلك بعد انسحاب قوات الأمن بشكل مفاجئ... حيث تم إخلاء الشارع للمتظاهرين غير السلميين، ما نتج عنه تخريب مبنى الجامعة وإحراق المدرسة مرّة أخرى».

سيُعقد ظهر اليوم اجتماع موسّع يضمّ شيوخ جميع عشائر المحافظة

وعلمت «الأخبار» أن مبادرةً ستنطلق ظهر اليوم في النجف، باجتماع موسّع يضمّ شيوخ جميع عشائر المحافظة، إضافةً إلى الحكومة المحلية ورموز دينية وأكاديمية، من المتوقّع أن يخرج بـ«ميثاق شرف» لحماية السلم الأهلي في المحافظة. ووفق المعلومات، فإن هذه المبادرة جاءت بدعوة من مقرّبين من «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) إلى مختلف الأطراف المذكورين، على أن يتولّى هؤلاء رعايتها، مع التعويل على جهود لكبار شيوخ عشائر المحافظة في ضبط «حفلة الجنون حفاظاً على قدسية المدينة» بتعبير المصادر.
وفي محاولة منها لكبح جماح الشارع الغاضب، أصدرت السلطة القضائية إلى الهيئات التحقيقية في محاكم الاستئناف أمراً بتسلم شكاوى المدّعين بالحق الشخصي من ذوي الضحايا أو الجرحى الذين سقطوا خلال التظاهرات، فيما أعلنت «محكمة استئناف النجف الاتحادية» صدور مذكرات قبض قضائية بحق المعتدين على المتظاهرين في المحافظة. ونفى محافظ النجف، لؤي الياسري، صدور أمر استقدام بحقّه، مؤكداً أن «الحكومة المحلية والقيادات الأمنية العليا مستمرة، ولغاية اللحظة، في جهود حلحلة الأزمة الراهنة في المحافظة»، نافياً - في الوقت نفسه - صدور أمر استقدام بحق قائد شرطة النجف وقائد العمليات فيها. وفي محافظة ذي قار، صدرت مذكرة قبض ومنع سفر بحق الفريق جميل الشمري، قائد «خلية الأزمة» فيها، لاتهامه بإصدار الأوامر التي تسبّبت في قتل متظاهرين في المحافظة. كذلك، تم تكليف العميد ريسان الإبراهيمي بقيادة شرطة المحافظة، بالاتفاق مع قيادة «العمليات المشتركة» ووزارة الداخلية، خلفاً لمحمد زيدان القريشي (أبو الوليد)، على خلفية أحداث العنف التي رافقت التظاهرات، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى.
وشهدت مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، هدوءاً نسبياً، في وقت باشر فيه الأهالي، بالتعاون مع الدوائر الحكومية، حملات تنظيف للشوارع التي شهدت عمليات تخريب وحرق، توازياً مع إعادة افتتاح جميع الجسور باستثناء جسر الزيتون. بدورهم، أعاد متظاهرو محافظة الديوانية إغلاق مبنى المحافظة، تعبيراً عن احتجاجهم على الأوضاع السياسية، مردّدين شعارات وهتافات تطالب باحترام حرية الشعب في اختيار حكومته.

أقصر ولاية في «عراق ما بعد 2003»
بات عادل عبد المهدي أول رئيس للوزراء يترك منصبه قبل نهاية ولايته في «عراق ما بعد 2003». الرجل الاقتصادي المتحدّر من مدينة الناصرية الجنوبية، والذي أكد مراراً - مع تسلّمه منصبه - أن «كتاب الاستقالة في جيبي»، لم يخرجه إلا بعد شهرين من الحراك المطلبي، تحت ضغط من «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، والقوى السياسية التي تبنّت موقف الأخيرة، ودعت إلى «ضرورة التغيير». كان الرهان على عبد المهدي، الذي تسلّم منصبه في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، والمعروف بأنه صاحب باعٍ طويل في السياسة العراقية، هو أن ينجح في خطّ مسار مختلف للعراق على مدى أربع سنوات، وأن يتحكم بالتناقضات الكبيرة التي تحول دون تحقيق استقرار في هذا البلد. لكن الرئيس السبعيني بدا وكأنه «الحلقة الأضعف» في وجه الأحزاب المتناحرة على مقدّرات دولة ينخرها الفساد والمحسوبية. وفي هذا الإطار، يقول أحد كبار المسؤولين، من الذين عملوا لفترة طويلة مع عبد المهدي، إن الأخير «كان يعلم بأنه لا يستطيع أن يكون ثورياً»، ولذا فهو تمسّك بحلفائه السياسيين لافتقاده الدعم الواضح، حزبياً كان أم سياسياً. ويضيف المسؤول أن رئيس الوزراء المستقيل «يحب الإجماع ويكره اتخاذ قرارات جذرية»، لكنه في مواجهة الأحداث الأخيرة «كان مقتنعاً بأن عليه أن يقاتل ضدّ انقلاب».
تم نسخ الرابط