البروفسور الفرنسي الشهير ديديه راوول مصمم على نجاح تركيبته المبتكرة للقضاء على كورونا والمئات يتوافدون يومياً الى مستشفاه في فرنسا لتلقي العلاج

أثار هذا المشهد أمام المستشفى جدلاً كبيراً وانقساماً بين الباحثين العلميين والعاملين في المجال الطبّي. ما يجري في فرنسا يختلف عن إيطاليا وإسبانيا، التأخير في إعلان الإصابات بكورونا وحالة الطوارئ أدّيا إلى تصاعد المسار في عدد الإصابات بهذا الشكل. اليوم، بلغ عدد الإصابات في فرنسا 22304 إصابات، ووفاة حوالى 1100، في حين تماثل حوالى 3281 إلى الشفاء.
السباق اليوم على العلاج، وما يسعى إليه راوول أكبر دليل على المعركة الطبية التي يخوضها خارج السرب، فالانتقادات التي تعرضت لها دراسته المصغرة، دفعته إلى فتح الباب أمام كل مريض لتوسيع رقعة التجارب. هو لا ينتظر أحداً، وبينما يتم العمل على تجربة كلينيكيّة أوروبية واسعة بإسم "discovery" تضم حوالى 3200 شخص في أوروبا، يعمل راوول منفرداً على تجربته الخاصة. فكيف يقرأ طبيب الطوارئ اللبناني في فرنسا الدكتور محمد سبيتي تطورات ما يجري، والمسار التصاعدي في الإصابات، وكيف يمكن تقييم ما يقوم به علمياً؟
يؤكد طبيب الطوارئ اللبناني في فرنسا، الدكتور محمد سبيتي والذي يعاين يومياً حالات مشتبه باصابتها بكورونا "أننا سنبلغ ذروة الإصابات، وبعد أسبوعين سنلاحظ انخفاض المسار، المشكلة التي حصلت في فرنسا هي تأخير إعلان الحجر المنزلي بهدف إجراء الانتخابات، ولقد اعتقدوا أن لديهم الوقت، إلا أن الأوان قد فات بسبب انتشار الوباء بهذه السرعة. والدافع الذي كان وراء تأخير العزل هو نفسه الذي حصل في إيران، لم يكونوا على علم بمدى خطورة وسرعة انتشار هذا الفيروس، وقارنوه مع الرشح، في حين أنه مختلف كثيراً وطريقة انتقال العدوى تتخطى 4 مرات الرشح العادي".
أما بالنسبة إلى دعوة راوول وما يقوم به، يشير سبيتي في حديث لـ"النهار" إلى أن هناك "نقاشاً علمياً حقيقياً، وانتقادات من المتخصصين والباحثين تناولت أكثر من نقطة، منها أن العيّنة صغيرة وهي لم تتخط الـ 20 شخصاً، وتُعتبر غير كافية لمعرفة مدى فعالية الدواء العلاجي. من المهم أن نعرف أن الباحثين لم يرفضوا العلاج التجريبي وإنما شدّدوا على إجرائه على أعداد أكبر وتحت إشراف طبي في المستشفى لمقارنة ومعرفة الإيجابيات والسلبيات الناتجة عن دواء الكلوروكين وبالتالي مدى فعاليته في شفاء المرضى".
في رأي سبيتي أن "الانتقادات العلمية للعيّنة الصغيرة في تجربته الكلينيكية، دفعت بالبروفسور راوول إلى فتح الباب أمام كل من يرغب في إجراء الفحص، وبذلك يكون قد ضمّ إلى تجاربه أعداداً أكبر، وبالتالي إسقاط حجة الباحثين وانتقادهم العملي حول العدد".
نظراً لخبرته ومعاينته اليومية للمرضى في المستشفى، يوضح سبيتي أن "الصين جرّبت الدواء ولكن السؤال لماذا لم يتمّ نشر تفاصيل ومدى فعالية الدواء. وهذا ما دفع الصين إلى عدم الحديث عن تجربتها أو نشر تفاصيل ما توصلت إليه بسبب عدم التأكد من فعالية الكلوروكين في معالجة المرضى. لم تمنع فرنسا الدواء ولكنها حصرته في المستشفيات وتحت إشراف طبي، وهي في صدد توسيع الدراسة على نطاق أوروبا حيث ستشمل حوالى 3200 شخص، وبناء على النتائج تُعمم فعالية الدواء من عدمه. ولكن هذه التجربة الكلينيكية الواسعة مغايرة لما يقوم به راوول، هو يعمل منفرداً في مختبره، ونتائجه لا علاقة لها بالدراسة التي تُجرى على الصعيد الأوروبي".
وشدد على "وجود ثغرات علمية متعددة في دراسة راوول، هناك 4 مرضى لم يتم ذكرهم أو إدراجهم بالنتائج، هناك من توفي أو أدخل إلى العناية الفائقة، وهذا ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول إخفائه لهؤلاء المرضى. حالياً لا يتمّ إعطاء الكلوروكين إلا للحالات المتقدمة والخطيرة، وفي حال أظهرت الدراسة الأوروبية التي تُجرى اليوم فعاليتها، عندها يمكن إعطاء الدواء للحالات المتوسطة. هذا الدواء يُعطى كعلاج لبعض الحالات الصحية مثل بعض الأمراض المناعية أو أمراض المفاصل وغيرها، والتي تتعامل جيداً مع هذا الدواء تحت إشراف طبي دائم، لذلك المشكلة برأيي ليست في الآثار الجانبية للدواء، وإنما مدى فعالية هذا الدواء في القضاء على الفيروس نهائياً. وفق راوول، هذا الدواء نجح في خفض نسبة الفيروس في الجسم ولكن هل تحسنت أعراض المريض؟".
ويختم سبيتي قائلاً إنّ "تعامل فرنسا مع مرضى كورونا يعتمد على مبدأ معالجة الحالات البسيطة والمتوسطة من خلال الحجر المنزلي، في حين تعالج الحالات الأكثر خطورة ودقة في المستشفى بغية المحافظة على القدرة الاستيعابية للمستشفيات، وهذه الاستراتيجية تختلف عن إيطاليا وإسبانيا ما يجعل القطاع الاستشفائي الفرنسي مسيطراً على الوضع. ونصح باعتماد هذه الاستراتيجية في لبنان لتفادي إرهاق القطاع الطبي في لبنان وبالتالي عدم قدرة المستشفيات على استيعاب الحالات المتزايدة خصوصاً الحالات التي تكون بحاجة إلى المستشفى، وسيكون المشهد الطبي مشابهاً لما نراه في إيطاليا".
تاريخ الكلوروكين مع الأوبئة
من جهتها، تشرح الدكتورة في البيولوجيا الجزيئية والعلوم السرطانية والباحثة في المركز الوطني للأبحاث العلمية في تولوز في فرنسا الدكتورة أصالة لمع في حديثها لـ"النهار" أن "هذه الضجة المثارة عن البروفيسور ديديه راوول ليست جديدة، فدواء الكلوروكين ـchloroquine ليس دواءً جديداً بل متعارف عليه منذ زمن. يُعاد طرح الكلوروكين والعمل عليه عند ظهور أي وباء جديد كما حصل مثلا مع السارس ١ عام 2003 ، علماً أن الكلوروكين جُرّب أيضاً عند ظهور الإيبولا والميرس في الـ10 سنوات الأخيرة، ويعود سبب ذلك إلى أنه أثبت فعاليته على الخلايا المصابة بالفيروس خلال التجارب العلمية في المختبرات. ولكن لغاية الساعة لم ينجح استخدامه عند البشر كمضاد فيروسي. ولقد لجأت إليه الصين في المرحلة الأولى من انتشار الوباء (chloroquine in vitro) ونشرت النتائج في المجلة العلمية Nature التي أظهرت أن الكلوروكين منع تطور فيروس سارس كوف 2 في الخلايا المصابة.
انتقلت التجارب في الصين من بعدها إلى المرضى، ونشرت دراسة صغيرة في مجلة محلية على حوالى 100 مريض، تدّعي أن الكلوروكين أعطى نتائج فعالة على المرضى (انخفاض الحرارة، تسريع خروج المريض من المستشفى...)، إنما لم تنشر تفاصيل هذه التجربة ومعطياتها العلمية. وتعتبر هذه الدراسة أولية جداً، ونحن كباحثين وعلميين لا يمكننا أن نبني عليها أي شيء. إلا أن البروفيسور راوول تبناها وظهر عبر فيديو على يوتيوب يعلن فيها عن معالجة الفيروس عبر الكلوروكين. لقد بنى على دراسة صغيرة، وتحدث مع الرأي العام عن وجود معطيات أكيدة، والناس تنتظر أي أمل لتتمسك به في ظل تفشي الوباء. وتكمن خطورة المسألة أن هذا الدواء متوافر في الصيدليات وقد يشتريه الناس دون وصفة او إشراف طبي. هكذا بدأت القصة في فرنسا، وإزاء الجدل الطبي والتضارب في الآراء الطبية والسياسية حوله، نفت وزارة الصحة الفرنسية حقيقة التداول بالكلوروكين، مشددة على استخدامه فقط في المستشفيات".
وتكشف لمع أن "راوول أطلق هذه التجربة الكلينيكية التي تكشف بعض النتائج الإيجابية، إلا أنها من الناحية العلمية لا تعني شيئاً. وقد تعرضت هذه النتائج الى انتقادات في الوسط العلمي بسبب المنهجية المعتمدة، التي تطرح علامات استفهام كثيرة. بالإضافة إلى أن النتائج التي نُشرت ضمت 20 مريضاً، في حين تم تغييب 4 منهم (واحد توفي والـ3 أدخلوا الى العناية الفائقة)، بينما برر راوول عدم ضمهم إلى الدراسة بسبب توقفهم عن تناول الدواء.
وبالعودة إلى تجربته، يظهر الرسم البياني النتائج الأولية للتجربة على الكلوروكين (plaquenil) حيث نرى في الغراف العلوي أن 25% من المرضى فقط لا يزالون ايجابيين على فحص الـ #كورونا بعد 6 أيام من تناول الدواء (الخط الأزرق) مقارنة بالذين لم يأخذوا هذا الدواء وما زالوا جميعهم مرضى (الخط البرتقالي).
أما في الرسم البياني السفلي، فنرى أن المرضى الذين أُعطوا بالإضافة الى الكلوروكين (plaquenil) المضاد الحيوي (azithromycine) شفوا جميعاً بعد 6 أيام (الخط الرمادي). ونعرف جيداً مثلاً أن عدم إدراج المرضى الأربعة في هذه النتائج جعلها ايجابية جداً وأنه بمجرد ضمهم قد تتغير المعطيات العلمية.
برأي لمع "علمياً لا يمكن القول للرأي العام أننا وجدنا علاجاً بعد إجراء دراسة على عينة صغيرة جداً وبمنهجية منتقدة وفقاً للمعايير العلمية. لذلك وبعد نشر راوول نتائج دراسته، رفض وزير الصحة الاعتماد عليها للقول إن دواء الكلوروكين سيُعتمد لمعالجة المرضى، واستمر اعتباره علاجاً تجريبياً يتمّ إعطاؤه تحت إشراف طبي وبحسب احتياجات كل حالة. إنما للتأكد من هذه النتائج، تمت إضافة الكلوروكين إلى تجربة كلينيكية أوروبية واسعة اسمها "discovery”، وسيتم تجريبه على 3200 شخص في اوروبا ضمنهم 800 فرنسي، بالاضافة الى أدوية أخرى كدواء الإيبولا remdisivir, دواء الإيدز kaletra بالإضافة إلى interferon beta. وتصدر نتائجها بعد 6 أسابيع من اليوم. لننتظر ونرى".
ولكن ماذا عن الاستراتيجيات المختلفة لإجراء الفحص؟
توضح لمع أن "الدول اعتمدت استراتجيات مختلفة لإجراء فحص PCR ، مثلاً في كوريا والصين اعتمدوا استراتجية TEST Massif أي إجراء الفحص لأكبر عدد من السكان لعزل الناس الذين من شأنهم أن ينقلوا العدوى وبالتالي السيطرة على الوباء. في حين أنه في فرنسا تم تحديد الأشخاص الذين يحق لهم إجراء الفحص (الطاقم الطبي - كبار السن - الأشخاص الذين يعانون من أمراض تنفسية، مرضى السكري والضغط...). البروفيسور راوول كان ضد هذه الاستراتيجية وهو يطالب منذ شهر بزيادة الفحوصات وتعميمها، ولكن السلطة الفرنسية لم تعتمد ذلك. ومنذ أيام، أصدرت OMS توصية لإجراء الفحص لأكبر عدد ممكن للسيطرة على الفيروس، وذلك لأن هناك شريحة كبيرة تحمل الفيروس دون أن يظهر عليها أعراض أو تظهر عليهم أعراض خفيفة. المشكلة أن الدولة الفرنسية عاجزة عن تنفيذ هذه الاستراتجية قبل 4 أسابيع حتى تتمكن من تأمين كل المستلزمات الطبية لإجراء PCR.
"وفي انتظار ذلك، قرر البروفيسور راوول نشر إعلان أن أي شخص يعاني من حرارة سيتم اجراء فحص الـPCR له، وفي حال كانت النتيجة ايجابية سأعالجه بالكلوروكين: وفق ما أكدته لمع في حديثها. وهو يبرر ذلك بأنه حتى المرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة يتبين في صورة الرئة وجود مشاكل رئوية لديهم. "وبناءً عليه تجمهر المئات أمام المستشفى، ومنذ انتشار الفيروس في فرنسا، أجرى راوول وحده حوالى 25 ألف فحص من مجمل الفحوصات التي بلغت 60 ألفاً".
وفق لمع "علينا أن نعرف أن الفحص ليس سهلاً وهناك طلب عالمي كبير عليه نتيجة انتشار الوباء في كل العالم وحاجات العالم إليه للتأكد من الإصابة. وبرغم من زيادة الشركات المصنعة للكميات المنتجة، إلا أن الطلب يزداد أكثر فأكثر، خصوصاً أن أكبر الشركات المزودة لهذه المواد متواجدة في الولايات المتحدة الأميركية.
تشير لمع إلى أن فحص الـPCR يقوم على استخراج الإفرازات من الأنف أو الحنجرة والبحث عن المادة الجينية للفيروس لمعرفة ما اذا كان الشخص مصاباً به، وهو الفحص الأدق والوحيد حتى الآن الذي يعطينا جواباً أكيداً عن الإصابة أو عدمها. هناك فحوصات سريعة يتم تطويرها في العالم كله، إلا أن أياً منها لم يعتمد حتى الآن، هذه الفحوصات لا تقوم على البحث عن الفيروس، بل عن الأجسام الحيوية المضادة التي يصنعها الجسم بعد الإصابة، ولكنه ليس دقيقاً في الوقت الحالي، خصوصاً أن المدة التي يحتاجها الجسم لتصنيع هذه الأجسام تختلف من شخص الى آخر ومن فيروس الى آخر. هذا النوع من الفحوصات قد يكون ضرورياً بعد الخروج من حالة الحجر وعودة الناس إلى حياتها خصوصاً لمعرفة من هم الذين قد شكلوا نوعاً من المناعة ضد الفيروس والذين يستطيعون العودة الى حياتهم الطبيعية".