الخطوة قبل الأخيرة بقلم الأستاذ عدنان ح. أبو خليل

الخطوة قبل الأخيرة!
من البديهيات المتعارف عليها بأن للسلحفاة ميزتين: الأولى هي إنها بطيئة في حركتها، والثانية هي أنها تعرف هدفها – الذي على أساسه تختار مسارها. لذلك، فأن السياسة المالية في البلاد، وعن سابق تصميم وإدراك، اعتمدت على نهج سياسية "السلحفاة" المالية التي في نهاية المطاف أسقطت البلاد داخل " المصيدة" المعدة منذ عقود (من خلال إستخدام أدوات محلية كأداة) إلى تحقيق هدفها المنشود وهو: تكريس الإنهيار المالي والإقتصادي شبه الشامل للبلاد.
من الغني عن التذكير والإشارة بأن الجميع اليوم يشعر ويدرك بأنه لا جدوى من الجدال العقيم حول صحة السياسات المالية والهندسات النقدية من عدمها، دون الوصول إلى قاعدة البيانات المحاسبية الدقيقة؛ وتحديد المرامي السياسية التي تكمن ورائها - عداك عن الدوافع والمصالح الضيقة المرتبطة بها.
وهنا تبرز أهمية الإسراع في إنطلاق التدقيق التشريحي للحسابات المالية (The Forensic Auditing)، التي سوف تستغرق مدة زمنية طويلة لكونها بحاجة لتشمل كافة إدارات الدولة دون إستثتناء؛ ولكنها في النهاية سوف تظهر حجم منظومة الفساد وأسبابه والجهات الداخلية والخارجية المستفيدة منها. وتكون بذلك الخطوة الأولى لإستعادة الأموال التي هدرت، ومحاسبة المرتكبين.
لا يفتأ التاريخ يذكرنا أن هولاكو لم يقتل الخليفة المستعصم في الحال فور أسره، لكنه انتظر حتى يدله على أماكن الكنوز والنفائس والأموال المخبأة والتي لا يعرف أحد مكانها غيره. بالفعل قام الخليفة العباسي حامي حمى المسلمين بتسليم الكنوز والجواهر التي جمعها بنو العباس طوال خمسة قرون وخبأوها في سراديب.
ولقد صاح هولاكو متعجبا" يوما" لما بلغ أن فلول جنود المستعصم الذين نجوا من المذبحة يتسولون في الأسواق، فقال: "لو أن المستعصم أنفق هذه الأموال على هؤلاء الناس لضحوا لأجله وقاموا بحماية ملكه".
ويذكر هنا أن المستعصم بعد أسره مُنع عنه الطعام، وعندما شعر بالجوع، أمر هولاكو أن تُقدم إليه الكنوز التي وجدوها في قصره. فقال له المستعصم: "إن الكنوز لا تُزيل جوعًا"، فرد عليه هولاكو ساخرًا: "إذا كانت الكنوز لا تسد الرمق، وإذا كانت لا تحفظ الحياة، فلماذا لم تعطها لجنودك ليحموك، أو إلى جنودي ليُسالموك.
والعجيب أن قائد المغول خشي من إراقة دم الخليفة فلم يجرؤ على طعنه بالسيوف أو الخناجر لأن من معتقدات المغول أن إراقة دم الملوك تجلب اللعنة على فاعلها، فما كان منه إلا أن وضعه في شوال من جلد البقر وأمر جنوده بأن يستمروا بضربه بالنعال حتى مات!