منهمك، متعب ، أفكاره متضاربة، تعطر بعطر العمل و الجهاد! العرق رافقه كصديق عمره لا يفارقه إلا عند الاستحمام! دخل منزله ، رمى بنفسه على أريكة العذاب ، لربما أراح عظامه التي تناثرت بفعل ضغط الحياة ! أغمض عينيه ، فأحس بنبضها يجول في الأركان ! ففتح عيناه ليراها ممدة بجانبه لا تتحرك مخذولة من لامبالاته التي أودت بها إلى الهلاك! اقترب منها ، لامسها بأنامليه المرتعشتين برقة و لباقة و حنان! فأعادته بالزمن إلى الوراء ، إلى الزمن الجميل الذي مازال يتنفس هواه ، ولكن لمَ الجفاء اليوم و الابتعاد!؟ لمَ أصبحتِ مرضي بعدما أن كنت دوائي الذي كنت لا أغفو دون سحره الذي يجلب النعاس؟! جلس متأملا بها ، وحيدان في عتمة الليل الولهان ، الشوق لها قد كتب على الجدران ، و بياضها الناصع قد أسر عقله و أزاح تعبه الذي دمر الحياة! فقد سُجن بعبق رائحتها، و تسرب عطرها إلى رئتيه فأنعشت كيانه وكأنه قد وُلد الآن! فأصبح كالعبد العاشق المأمور! 《ماذا!! أنا عبد لها ؟! أوليس سبب هجري لكِ هو أن أصفاد عطرك كبلتني فأهلكتني!؟ 》 أغمض عيناه من جديد ، ليرجع إلى واقعه المرير ، فالنظر إليها ممدة هكذا أمامه هو العذاب الأليم! و لكنه لم يحتمل فالذكريات الجميلة برفقتها أغصبته ليسترق النظر عليها من جديد ، فشفتيه لم تنسى لذتها منذ حين ، وبدأ الصراع بعقله يتمشى و يصيح ، فلتدعها كما أمرك الطبيب ، فأصدقائك و أقاربك قد نصحوك بالابتعاد عنها حتى لا تكمل ما تبقى من عمرك بعذاب النَفَس و العويل!! هنا ، هب من على أريكة العذاب ، ووقف وقفة الجندي المضحي لبلده الأمين ، و شاح نظره عنها، رمى بها أرضا، و داس عليها بقدم إصراره اللعين ، و عاهد نفسه أنه سيترك التدخين إلى أبد الآبدين.
بقلم رنا خليفة