رحيل عاطف .. رحلة القرية إلى المدينة؟............قلم د سمير الزين
... شتلة التبغ في المساكب تخضرّ .. وعاطف يقطفها ثم يزرعها ... و " يشكّها" خيطاناً يعلّقها على " السقالة " ، أو " المنشرّ" فتجفّ .. ثم يوظبها في رزم "الخيش " وتتسلمها شركة الريجي بأسعارٍ لا تُعجبه ... فيغادر القرية وينزل إلى المدينة .. إلى صور..
في آوائل الستينات قصد عاطف مدينة صور .. هناك في سوق فرحات فتح محلاً لبيع الحصير والألبسة .. للمحل بوابتان : بوابة شمالية وبوابة غربية والمسافة بين البوابتين لا تتعدى المترين !
أجمل ما في دكان عاطف بوابات روحه :
بوابة القلب ، بوابة الإبتسامة ، بوابة الترحيب والأخوة ، بوابة الخجل الجميل ، بوابة اللطف الودود ... بوابة العبور ليس للمترين بل للقلبين : قلبه وقلبه ثانيةً .
هو الريفي المتعبد للإلفة والمحبة .. أن تشتري قميصاً أو حصيراً فهذا شأنك .. أن تشرب فنجان قهوة وتجلس على كرسيه وهو يقف فهذا مُراده ..
المسافة بين بوابتي المحل هي من صنع البنّاء .. أما المسافة بين بوابات روحه وبوابات العابرين والزائرين الذين يتهافتون هي من صنع شِيَمِهِ وضوء شموعه ..
.. أبو هشام .. إبن العم صديقي . رحلتَ ك " اللمحِ "بين ظهور المرض والغياب . أربعة أشهر فقط أنهكت الجسد و" كسّرت" أبواب الروح .. لم تمهلك الريح شمة الريحان لتودعنا .. غافلتنا بتقطع الأنفاس شهقة وزفرة وغادرت ..
كيف للدمع أن ينزوي بدمعهِ ...وكيف للعابرين أن ينعموا ب " شفّة" من فنجان قهوتك ..
وكيف لصباح الخير أن يودّع الصباحات ..
من مدخل سوق فرحات عبرنا .. وإذا عدنا هل من عاطف ينتظر..
عبَرتَ من القرية إلى المدينة .. من شظفِ العيشِ إلى نَهَمِ المدينة ..
من السؤال إلى السؤال ..
ووقفتَ على قدميك كالحارس الأمين ..
بحرٌ يتلاطم بجدار المقهى المجاور لدكانك.. وبحر يمتد يمتد حتى جدار بيتك ..
وبقيتَ بقيتَ ممشوقَ القامةِ تبتسم .. ولم تسقطْ .. رحلتَ ..
وداعاً عاطف جسرَ الحياة والموت ما بين القريةِ والمدينةْ .. ٢١-٤-٢٠١٩
اهداء الى روح المرحوم عاطف الزين بقلم د سمير الزين