الإثنين 30 حزيران 2025 الموافق 05 محرم 1447
آخر الأخبار

المقامرة الكبرى: إسرائيل «ترتاح» من أكبر الأعداء والمهندس الذي «أتعب» أميركا !!

ياصور
تحت عنوان "المقامرة الكبرى" نشرت جريدة الأخبار سلسلة المقالات التالية:

اسرائيل قدمت الأسباب الموجبة: لم نعد نتحمل والأعداء على باب الدار | مقامرة أميركا: اللعب باسم كلّ الوكلاء
ماذا يعني أن تتّخذ حكومة أكبر وأقوى دولة في العالم قراراً وتنفّذه عنوانه: اغتيال القائد العسكري العام لمحور المقاومة قاسم سليماني؟
منطقي أن يقفز الى الذهن، مباشرة، افتراض أن أميركا مستعدة للذهاب الى أبعد الحدود. وإذا ما جرت استعادة ضربة القائم قبل أيام، والتنكيل بعشرات المقاتلين في نقطة تخصّ مريدي سليماني، يمكن تثبيت الصورة بالقول إن أميركا تقول لإيران وحلفائها: اسمعوا، أنا مستعدة للذهاب الى أبعد مما تعتقدون، فاعقلوا!
هذا يعني، ببساطة، أن الرسالة وصلت. وهذا يعني أن الأميركيين تعبوا وملّوا من كل أنواع الرسائل الملتوية. هم لا يقفون كثيراً عند اتهامهم بالفشل. أصلاً، لا أحد يحاسبهم. لذلك، يمكنهم أن يجربوا مرة ومرتين وألف مرة، فإذا ما نجحوا احتفلوا، وإذا فشلوا تراجعوا ليعاودوا الكرّة من جديد. في حالة إيران ومحور المقاومة، تعب الأميركيون من كل محاولات الهدم. لا حروب إسرائيل نفعت في سحق عظام حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين ولبنان، ولا كل مجانين العالم مدعومين بكل استخبارات العالم وجيوشه نجحوا في إسقاط سوريا. ولا كل الفشل السياسي والاقتصادي والوجود العسكري نجح في إمساكهم بكل العراق، ولا كل همجية آل سعود وأقرانهم من أمراء الصحراء نفعت في تركيع اليمن. وفوق كل ذلك، يرفع هؤلاء الأعداء رؤوسهم، ويعملون للمزيد، يبذلون كل الجهود العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية لتحقيق «معدلات عالية من نموّ القوة»، الأمر الذي يعرف الإسرائيليون ومعهم عرب أميركا معنى أن يتحوّل ذات صبيحة الى فعل متكامل...
بهذا المعنى، يمكن فهم خلفية القرار الأميركي باغتيال القائد سليماني، ومعه أبرز قادة المقاومة العراقية أبو مهدي المهندس. وبهذا المعنى، يمكن التعامل مع ما يحصل على أنها عملية «تصفية حساب بمفعول رجعي»، قامت بها الولايات المتحدة بالأصالة عن نفسها، وبالنيابة عن كل حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل والسعودية.
ولمن لا يعرف ما الذي كان يحصل خلال العامين الماضيين، يمكن أن ندلّه على خطاب استراتيجي ألقاه رئيس أركان جيش العدو الجنرال أفيف كوخافي، قبل نحو أسبوعين في هرتسيليا، قدم فيه ما يمكن وصفه اليوم، بـ«الأسباب الموجبة لعملية الاغتيال».
الجنرال الإسرائيلي اختصر المشهد الإقليمي لناحية المخاطر التي يشكّلها محور المقاومة بكل أطرافه. وهو أشار مراراً الى قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، ودورها في رفد فصائل المقاومة بالعتاد النوعي، ليخلص إلى أن المطلوب توجيه ضربة ردعية لهذا الطرف. وهو ما يعيد الى الأذهان كلاماً تردّد مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة، عن رغبة أكيدة للعدو بتصفية اللواء سليماني.
قال كوخافي: «يوجد تغيير وتفاقم في التهديدات في كل المناطق التي تحيط بإسرائيل في الدائرة الأولى، وزيادة كبيرة في النشاطات السرية التي تركّز في الأساس على منع تعاظم قوة القدس في سوريا ومنع تهديد الصواريخ الدقيقة. سنواصل العمل في كل الدوائر وكل الدول». وانتقد بحسرة غياب ردود الفعل من دول الخليج والولايات المتحدة حيال الهجمات الإيرانية على منشآت النفط، مشيراً الى أنه «كان من الأفضل بكثير لو لم نكن وحدنا». وهو قال بعبارات واضحة وشفافة: «عندما تجتمع التكنولوجيا المتوفرة مع أفراد متطرفين وأعداء لدودين، لست بحاجة إلى صناعة عسكرية أو قوة سياسية لتعطيل الـ«GPS»، أو لامتلاك قدرة اختراق في السايبر. والصناعة العسكرية الإيرانية أكبر من كل الصناعات الأمنية في إسرائيل». كما كشف كوخافي أن قوة القدس في سوريا وحزب الله تمتلك أجهزة لتعطيل موجات الـ«spectrum»، وصواريخ الدفاع الجوي، و«نحن نبذل جهداً كبيراً لعدم السماح لأعدائنا بالتجهز بسلاح دقيق، وسنقوم بذلك بشكل سري وعلني وأيضاً بالمجازفة بمواجهة. وستكون هناك حالات تجازف فيها إسرائيل حتى عتبة المواجهة من أجل إحباط الصواريخ الدقيقة في الوقت المحدد»، وستواصل هذا النشاط لمنع تمركز «قوة القدس» في سوريا ومنع تهديد الصواريخ الدقيقة في كل أنحاء الشرق الأوسط.
وسط هذا المستوى العالي من الحافزية الإسرائيلية، لم يتعب الفلاسفة العسكريون في ابتداع المصطلحات التي توفر حلولاً لعقدة أن العدو غير قادر على شن حرب شاملة الآن. قالوا، في فترة سابقة، إن عدم حصول الحرب لا يمنع حصول «معارك بين الحروب». وعندما احتدمت المواجهات داخل دول الطوق، صاروا يتحدثون عن «مواجهة» أو «صدام» ما يمنع أحداً من الذهاب نحو الحروب. ومع فشل كل تجربة، ابتدع الفلاسفة إياهم الآن مبدأ «الأيام القتالية»، أي تلك التي تشير الى احتمال حصول مواجهة عسكرية تستمر لفترة زمنية وجيزة، ولا تستخدم فيها كل الأسلحة، وتنتهي بفرض وقائع جديدة أو قواعد لعبة جديدة.

ما يحصل عملية «تصفية حساب بمفعول رجعي» قامت بها الولايات المتحدة أصالة عن نفسها ونيابة عن كل حلفائها وفي مقدمهم اسرائيل والسعودية

عملياً، استنتج الأميركيون أن إسرائيل وبقية حلفائها لم يعودوا قادرين على القيام بالمهمة وحدهم. هي المرة الأولى التي تعرف فيها أميركا أنها معنية بالقيام بالعمل مباشرة. الآن، لن نسمع كلاماً عن أموال ودعم وبدل حماية وخلافه. الآن، أميركا تريد أن تحمي مصالحها، وتحمي حلفاءها الذين هم جزء من مصالحها. ولذلك، فإن فهم الواقع السياسي كان يقود الى أن الأميركيين ومعهم إسرائيل والسعودية في وارد القيام بأمور كثيرة لتحقيق أهدافهم. لكن، هل كان أحد يقدّر بأن يقدموا على ضربة كالتي حصلت أمس؟
لنضع جانباً كل التحليلات والتكهّنات. ولنتوجّه مباشرة صوب النتائج العملانية لما حصل. واشنطن تقول إنها مستعدة للعبة كبيرة جداً. وهي تحشد قواتها في البحر وفي قواعدها كافة، وتبعث برسائل نارية ودبلوماسية، قائلة إنها تريد «تأقلم إيران وأنصارها» مع الواقع الجديد. أي أن أميركا قالت، بعد اغتيال سليماني، إنها فرضت واقعاً جديداً على الأرض، وعلى إيران الإقرار به، وإذا ردّت إيران فستردّ أميركا بما هو أقسى...وعند هذه النقطة، يصبح الكلام مجرد هذيان!
الواضح أن الأميركيين، عندما اتخذوا القرار، اعتبروا أن إيران ليست في وضع يسمح لها بالمواجهة الشاملة. وبالتالي، يراهنون على أن الرد الإيراني سيكون موضعياً بما لا يدفع نحو مواجهات كبيرة. في هذه الحالة، ستتصرف أميركا على أساس أنه تم ردع إيران، وأن العراق سيكون ساحة خالية لها، وأن المعادلات التي تحكم الواقع في سوريا ولبنان ستتغير هي أيضاً.
ولأن الأميركيين يعرفون أن إيران ستردّ، عمدوا الى توجيه الضربات القاسية جداً للقول إنهم لا يناورون، وإنهم مستعدون للذهاب أبعد من ذلك. وهذا يعني، بحسب طريقة تفكيرهم، أن إيران ملزمة بحساب جديد. ولكن، هل فهم الأميركيون ما معنى أن يقوم مرشد الثورة الإيرانية بالتصدّي شخصياً لإدارة الملف من ألفه إلى يائه، وأن يضع في بيان مجلس الأمن القومي عبارة عن الرد الحتمي والقاسي، وأن يعمد مساعدون له الى التوضيح بأن الردّ لن يكون في ساحة محددة؟
ربما نجد عند الأميركيين والإسرائيليين، من يعتقد بأن بيانات طهران أو ردود فعل فصائل المقاومة تعبير عن غضب منطقي. وهنا، قد يكون مناسباً شرح جانب من الأمر:
ذات مرة، وصف صحافي غربي رجال حزب الله في لبنان بأنهم «مجانين الله». العبارة، كانت تخفي إعجابه، ليس بقدرات هؤلاء ولا بتعلمهم، بل في جرأتهم المحاطة بدرجة عالية من الحرفية والعلم. وميزة هذا النوع من «الجنون» أنه موجود في عقل قادة محور المقاومة. من السيد الخامنئي نفسه، الى الرئيس بشار الأسد في سوريا، الى السيد حسن نصر الله في بيروت، وصولاً الى قادة المقاومة في فلسطين واليمن. وهؤلاء، يحسبون الأمر من زاوية أن العقل يوجب الهدوء والتروّي، لكن الثبات يوجب الردّ على العدو بما هو أكثر إيلاماً. ولذلك، فإن المحسوم، عند هذا المحور، ليس أصل الرد فقط، بل الاستعداد أيضاً للذهاب أبعد مما تتصور أميركا نفسها. لأن الرد ليس هدفه الانتقام على الطريقة العشائرية، وإنما الردع. وهذا يعني، ببساطة، أنه مثلما قررت أميركا، بالنيابة عن كل أشرار العالم، أنه حان وقت الحساب مع قادة محور المقاومة، فإن من بيدهم الأمر عندنا قرروا، منذ وقت طويل، أنه وقت الحساب المفتوح مع قادة الشر في العالم. ومن يسعى الى الفوز، ينظر الى ما هو فوق الجباه لا إلى ما هو تحت النعال...
الرد على عملية الاغتيال هدفه القول للأميركيين وحلفائهم، وخصوصاً إسرائيل، إنه «لا يحق لكم الاستمرار في احتلالكم، ولن نسمح لكم بمواصلة عدوانكم، ولن نترككم من دون عقاب»!
شمشون الجبار أسطورة قابلة للتعديل. يمكن إضافة قليل من الحكمة والعقل، ثم دع للخالق أن يتصرّف في خلقه بما يريد!

كيف اغتيل القائدان؟
قرابة الواحدة والنصف بعد منتصف ليل الخميس ــــ الجمعة، دوّت انفجارات عدة في محيط مطار بغداد الدولي. في البداية، الأخبار الواردة من المكان تحدّثت عن قصف بصواريخ «غراد» طاول أحد مدارج المطار. بعد ذلك، بدأت تتّضح الصورة: سيارتان تحترقان قرب مخرج منطقة الشحن في المطار، ويبدو أن مَن فيهما قد قتلوا. بعد ساعة من الأخذ والردّ، والإعلان والنفي، أُعلن الخبر: صواريخ أصابت السيارتين اللتين تقلّان مجموعة من قياديّي «الحشد الشعبي» ومدير التشريفات فيه و«ضيوفاً» أجانب. مباشرة، بدا أن القوات الأميركية هي التي نفّذت الهجوم الصاروخي، ليتبيّن في ما بعد أن الهدفين الأساسيين هما قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» العراقي أبو مهدي المهندس.
في الرواية الأمنية للحدث، قَدم سليماني إلى بغداد على متن طائرة تابعة لشركة «أجنحة الشام» السورية. غادرت الطائرة مطار دمشق قبيل منتصف الليل، ووصلت إلى مطار بغداد بعد ساعة وأربع دقائق من التحليق. هناك، كانت سيارتان تنتظران «الحاج» على مخرج منطقة الشحن، في إحداهما أبو مهدي المهندس. وبحسب ما تؤكد مصادر أمنية عراقية، استهدفت السيارتان، فور انضمام سليماني وفريقه إليهما وانطلاقهما الى خارج المطار، بصواريخ عدة من طائرة مسيّرة أصابت السيارتين بشكل مباشر، لتحترقا بالكامل.
بعد نحو ساعة، تمّ التعرف إلى الشهداء على متن الموكب المستهدف. وهم، بالإضافة إلى القائدين، 4 عراقيين و4 إيرانيين من فريق سليماني الخاص. والشهداء العراقيون هم: محمد رضا الجابري، مدير تشريفات «الحشد» في المطار، حسن عبد الهادي، محمد الشيباني وحيدر علي. أما الشهداء الإيرانيون فهم: اللواء حسين جعفري نيا، العقيد شهرود مظفري نيا، النقيب وحيد زمانيان والرائد هادي طارمي.

حزن وغضب في طهران: سنثأر!
تشهد إيران بقيادتها، التي لم تهدأ عاصفة تصريحاتها، وبشعبها الذي ملأ عدداً من الساحات أمس، إجماعاً غير مستغرب على ضرورة الثأر من أميركا عقب اغتيالها قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، لكن شكل الردّ الإيراني المنتظر لا يزال مجهولاً.
كثيرة هي المنعطفات التي مرّت بها الجمهورية الإسلامية على مدار 30 عاماً من قيادة المرشد علي خامنئي، إلا أن هذا الأخير لم يسبق له أن تصدّر المشهد بنفسه كما فعل منذ ساعات أمس الأولى التي أعقبت إعلان الحرس الثوري استشهاد سليماني. حضور المرشد لم يقتصر على بيان التعزية الذي وجّهه إلى الشعب الإيراني، متوعّداً فيه بالانتقام من قتلة سليماني، بل زاد على ذلك ترؤسه الاجتماع العاجل للمجلس الأعلى للأمن القومي، وهو الأمر الذي لم يقم به إلا في حالات نادرة، أبرزها يوم عُقد المجلس لمناقشة سيطرة «التحالف الدولي» المشكّل برئاسة الولايات المتحدة ــــ في حينه ــــ على العاصمة الأفغانية كابول.a
كما أن خامنئي لم يتأخر في تنصيب خليفة لـ«الحاج قاسم»، إذ كلّف بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد العميد إسماعيل قاآني بشغل المنصب. وجود المرشد في صدارة المشهد الإيراني اختُتم، أمس، بزيارة لمنزل عائلة الشهيد سليماني فور انتهاء اجتماع مجلس الأمن القومي، مؤدّياً واجب العزاء بـ«الفريق»، الرتبة الجديدة التي منحت للقائد الشهيد. ومن المنتظر، بحسب وسائل الإعلام الإيرانية، أن يؤمّ خامنئي، غداً، الصلاة على جثمان «الجنرال»، قبل أن يُنقل ليدفن في مسقط رأسه في محافظة كرمان جنوب شرق إيران.
تفاصيل ما قام به المرشد في الساعات التالية لعملية الاغتيال، والتي أظهرت تعاطياً مختلفاً من قِبَل الرجل الأول في الجمهورية الإسلامية، مقارنة بكثير من الأزمات التي شهدتها البلاد أو عاشها حلفاؤها في المنطقة، هي أدنى المؤشرات على خطورة المرحلة التي تمرّ بها طهران، إذ وضعت واشنطن بعملية الاغتيال النفوذ الإقليمي لإيران في دائرة الاستهداف المباشر، بعدما كانت تسعى إلى إجبار الإيرانيين على إنهائه بطريقة غير مباشرة من خلال الضغوط الاقتصادية، التي طمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أن تؤدي إلى دفع القيادة الإيرانية لقبول الجلوس إلى مائدة التفاوض، ومناقشة النفوذ الممتدّ من طهران حتى غزة، مروراً ببغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
طهران، من جهتها، بدت مدركة هدف واشنطن من رفع مستوى المواجهة؛ إذ أكد خامنئي، في كتاب تكليف قاآني بقيادة «قوة القدس»، أن «برنامج عمل تلك القوة هو نفس البرنامج الذي كان في فترة قيادة الشهيد سليماني». كما أن البيان الصادر عن المجلس الأعلى للأمن القومي، بعد انتهاء اجتماعه الذي استمرّ أكثر من خمس ساعات، توعّد أميركا بأن «تكون منطقة الشرق الأوسط بأسرها ساحة للردّ على هذه الجريمة». وفي هذا السياق، أشار رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان، مجتبى ذو النور، إلى وجود 36 قاعدة أميركية تحت مرمى نيران إيران، مؤكداً أن بلاده تمتلك بكلّ سهولة القدرة على توجيه ضربة قوية لتلك القواعد.
على هذه الخلفية، يرى مراقبون أن لهجة الموقف الإيراني تُشير إلى أن طهران لن تتوانى، على رغم ما حصل، عن الحفاظ على نفوذها ومصالحها في المنطقة. لكن إزاء الإصرار الأميركي المقابل على إنهاء الوجود الإيراني في الإقليم، يقفز السؤال عما إذا كان الاشتباك بين الطرفين سيبقى على مساحة الإقليم الممتدّ خارج الأراضي الإيرانية، أم أن أميركا ستعمل مستقبلاً أمام الفعل الإيراني المستمر في ساحات المنطقة على رفع سقف هذه المواجهة، لتصل إلى مرحلة استهداف الأراضي الإيرانية مباشرة؟

«أنا قاسم سليماني»
«أنا قاسم سليماني، قائد فيلق صاحب الزمان السابع التابع لمحافظة كرمان. ولدت سنة 1958 في قرية قنات ملك من ضواحي كرمان، حائز شهادة البكالوريا، متزوج ولديّ ولدان، صبي وبنت. قبل الثورة، كنت موظفاً في مصلحة مياه كرمان. وبعد انتصار الثورة الإسلامية، التحقت بحرس الثورة في الأول من شهر أيار سنة 1980. مع اندلاع الحرب وهجوم النظام العراقي على مطارات البلاد، بقيت مدة أحرس الطائرات في مطار كرمان. بعد شهرين أو ثلاثة على اندلاع الحرب، انطلقنا إلى جبهات سوسنكرد ضمن القوات الأولى المرسَلة من كرمان والتي كان تعدادها 300 شخص تقريباً، بصفة قائد فصيل. في الأيام الأولى لالتحاقي بالجبهة، اعتقدت بأن العدو قادر على القيام بأيّ شيء، لكننا تمكّنا في أوّل هجوم لنا من إرغامه على التقهقر من جانب طريق سوسنكرد إلى الحميدية، وكبّدناه خسائر أيضاً. وقد أدّى هذا الأمر إلى زوال التصوّر الخاطئ عن العدو من ذهني».
(الجنرال قاسم سليماني لمجلة «نداء الثورة» عام 1990)

بعد ثلاثين عاماً: هنا البوكمال
شاهده في البوكمال السورية. المعركة في ذروتها، القتال كان من مسافة قريبة، وهو لا يبعد عنه سوى أمتار معدودات. في الخط الأمامي على مشارف المدينة، كان الشهداء يتساقطون، وذلك المقاتل في حزب الله يوزّع عيناً على العدو وأخرى على «الحاج» غير المبالي بسلامته الشخصية. كانت البوكمال آخر المعارك الكبرى التي خطّط لها وقادها وحقق فيها انتصاراً كما اعتاد.

الخروج إلى الضوء
منذ انطلاق الحرب على «داعش»، لم يعد قاسم سليماني «قائد الظل» كما لقّبته الصحف الأميركية في 2009 بعيد تجنب العدوّ إياه في عملية اغتيال عماد مغنية في دمشق. كان الحضور العلني للواء الإيراني في الميدان، بالنسبة إلى القيادة في طهران، خروجاً إلى الضوء وإيذاناً بنقطة تحوّل في ملف الوجود والنفوذ خارج الحدود. بدأت صور «الحاج قاسم» تنتشر في كل مكان، بين المقاتلين على مختلف الجبهات، وفي غرف العمليات والاجتماعات. عشية انطلاق المعارك في العراق، استأنف علاقة ثانية له مع مطار بغداد (محطته الأخيرة ليل الخميس - الجمعة الماضي)، حيث بات يتردّد باستمرار بموازاة خطّ إمداد لوجستي وتسليحي يرافق تحرّكاته. سريعاً، جمع حلفاءه في المقاومة العراقية ضدّ الاحتلال الأميركي، وراح يوزّع بتنقلاته المكوكية جهده باتجاهين: وضع الخطط لاحتواء التمدد «الداعشي» ولإطلاق المعارك المضادة، وإعداد برامج التنظيم والتدريب للفصائل المقاتلة قيد الإنشاء تلبية لفتوى المرجعية، أو تلك التي تحتاج تأهيلاً لاستيعاب آلاف المتطوّعين الجدد، إلى أن أُطلقت عملية جرف الصخر باكورة المعارك الواسعة.

ليلبس جند أميركا الحفّاضات
تلك كانت حرباً للدفاع عن العراق ولحماية حدود إيران وأمنها في آن. لكن لم تكن أولى المعارك التي خاضها لتحقيق الهدفين معاً. فالمساهم الأول في تأسيس تشكيلات المقاومة العراقية ودعمها، عمل وفق استراتيجية إيرانية تعتبر غزو بغداد توطئة لاستهداف إيران، ما يحتّم إشعال حرب استنزاف تُبعثر حسابات الأميركي الآتي إلى أفغانستان والعراق ومهدّداً سوريا. كان لسليماني ما أراد، وفي تلك المرحلة، بدأ يتردّد اسم قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري همساً، ويأخذ بالانتشار شيئاً فشيئاً. عادت يومها استراتيجية في السياسة الخارجية يقال إن واضعها هو الامام الخميني: يد تضرب العدو ويد تفاوضه في مكان آخر في الوقت ذاته. تَعزّز هذا المسار أخيراً في ظلّ ازدواجية الحضور الإيراني في المنطقة، بين ابتسامة جواد ظريف وعبوس قاسم سليماني.
يحفظ العاملون مع اللواء سليماني الكثير من القصص أيام المقاومة العراقية. هي شواهد على نبوغ عسكري وأمني تَسبّب، غير مرة، في إحباط لدى ضباط ودبلوماسيين أميركيين راوغهم في الأمن والعسكر وحتى السياسة. وتلك صفة يعزوها عارفون بالرجل إلى موهبة متأصلة فيه تحاكي «الدهاء الفارسي» على حدّ تعبير أحدهم. قال دونالد ترامب أمس: «سليماني أسقط آلاف الأميركيين بين قتيل وجريح على مدى فترة طويلة». لم ينكر «الجنرال» هذه التهمة ولا الخوف الذي زرعته عبواته بالجنود الأميركيين، وقال في إحدى المناسبات ساخراً من جبن الجنود الأميركيين: إن القوات الأميركية كانت بحاجة لإمدادات من «حفّاضات البالغين».

«الفارس النبيل»
بالنسبة إلى أعدائه في الغرب، هو الرجل الثاني في الجمهورية الإسلامية. لكنه ليس كذلك في طهران، لا في النفوذ ولا الرتب. مع هذا، فهو أخذ منذ عقد مكان البطل الأسطورة. هو للإيرانيين القوميين بطل رمز يشبه أبطال الأساطير في الإمبراطوريات الفارسية الغابرة. لكنه ليس هكذا بالنسبة إلى نفسه أو «إخوته» الإسلاميين في الحرس الثوري وإيران والمنطقة عموماً. يرى نفسه «جندياً للولاية على طريق القدس»، وفق أدبيات الثورة الإيرانية، ويراه رفاق سلاحه حاملاً لراية هذه الثورة خلف الحدود، ليحمي مصالح البلاد من جهة، ويبقي جذوة الثورة بنسختها الأممية مشتعلة. لقّبه المرشد علي خامنئي بـ«الشهيد الحي»، وراح الإيرانيون يرفعون صور المتحدّر من عائلة فقيرة في حياته، في ظاهرة نادرة كانت حكراً على الخميني وخامنئي وقادة الثورة الشهداء كمطهري وبهشتي وشمران وآخرين.
لدى العدو، هو «رجل المهمات القذرة» و«السفاح» و«المرعب»، حين يقاس الأمر بعبء سياسته على إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها من مشيخات الخليج. لكن أحد رفاق درب «الجنرال» يكثّف صفاته بعبارة «الفارس النبيل»، ويشرح «أبوّة» القائد العسكري ولطفه وتواضعه مع الجميع، حتى الأعداء القادر على إبادتهم كان يسعى إلى التعامل الرحيم معهم بأقصى قدر ممكن. دبلوماسي مفاوض، متواضع ولبق وشهم وخلوق وقريب من القلب، لا يقطع الجسور مع أحد. نشيط ومبادر و«روحاني»، بحسب الصفات التي يسوقها الراوي، منبّهاً إلى أنها قد لا تخطر ببال من يراقب عمله العسكري عن بعد.

«هيبة» المحور... وقطبه
أن تكون قائداً لـ«قوة القدس» التي تبلورت بعد حرب الخليج من رحم الحرس الثوري لتنظّم نشاط «الحرس» الخارجي أيام «السلم»، فهذا يعني أنك مسؤول عن العمليات الخارجية في كلّ مكان خلف حدود إيران، وبالحدّ الأدنى في الإقليم أو «غرب آسيا» كما يسمّيها الإيرانيون. وهنا، منطقة تزدحم بالأعداء الذين يجب التعامل معهم: الولايات المتحدة ومعها القوات البريطانية والغربية عموماً، حلفاؤهم العرب، إسرائيل، الانفصاليون الكرد، وأخيراً التنظيمات التكفيرية. في الوقت عينه، تزدحم بالحلفاء والأصدقاء: سوريا، فصائل المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين واليمن. كانت مهمة «سردار سليماني» (القائد بالفارسية) أو «الحجي أبو دعاء» كما يشير إليه العراقيون، نقل التكتيكات القتالية التي استخلصها الحرس الثوري من حرب السنوات الثماني مع العراق ودشّن على أساسها صناعته العسكرية. وهي تقوم على ملاحظة التفوق التسليحي للعدو ومواجهته بقتال غير تقليدي أو لا متناظر، عماده الأساس: الصواريخ مقابل التفوق الجوي.
باتت على عاتق سليماني، منذ استلامه منصبه أواخر التسعينات، مهمة نقل الخبرات والتسليح، وإنشاء بنية تحتية قتالية صلبة لدى الحلفاء. سنوات قليلة وسيتردّد مصطلح «محور المقاومة». محور، كان سليماني يشكّل البنّاء ومن ثم المركز له، حتى بات أحياناً يطلق عليه البعض «محور قاسم سليماني». حرب تموز كانت محطة أساسية لاختمار التجربة. بأمر من المرشد خامنئي، صار يستقلّ بجزء من دور سليماني في اتخاذ القرارات في شأن الملفات الإقليمية (لا سيما منها المرتبطة بحركات المقاومة ضد إسرائيل) حزبُ الله في لبنان، وتحديداً أمينُه العام السيد حسن نصر الله، وقائدُه العسكري آنذاك الشهيد عماد مغنية.
في غزة ولبنان، ولاحقاً في سوريا والعراق واليمن، أخذ ينظر الحلفاء إلى الرجل كسند لحركاتهم، حيث بصماته خلف كلّ إنجاز وانتصار. لم يقتصر دوره على العسكري فحسب، إذ كان شديد الاهتمام بالإعلام والسياسة لرفد الحركات الحليفة بـ«قوة ناعمة»، لا بالسلاح فحسب. ولعلّ أهم ما ساعده في تنويع خبراته، بل واختياره للمنصب، دوره في محافظة كرمان كقائد للحرس الثوري، وهي منطقة قريبة من الحدود الأفغانية، حيث عمل على مكافحة تهريب المخدرات. تلك المسؤولية سمحت له بتجربة العمل الأمني والإسهام في حماية الحدود، ليحقق خلالها نجاحات لافتة ضدّ عصابات تهريب الأفيون.
تَكَرّس سليماني، مع تمدّد محور المقاومة، اللاعب السياسي والعسكري الأول في المنطقة، إلى جانب أذرع أخرى لطهران تجتمع في المجلس الأعلى للأمن القومي، وتخوض نقاشاً حادّاً تتنوع فيه الآراء، وقد لا تكون الكلمة الفصل فيه لسليماني، كما يظن البعض. يستفيض قيادي في محور المقاومة، على اطلاع على آلية صنع القرار بين أطراف المحور، في شرح حجم خسارة سليماني. سريعاً يستدرك: «الحرس مؤسسة»، وإذا ما أردنا تشخيص الخسارة الأكبر باغتيال «الجنرال»، فهي ضرب «هيبة المحور» التي أسهم في صنعها طوال السنوات، أمام العدو وأمام الحليف، بالكثير مما أَنجز. ماذا عما لم ينجزه؟ يجيب أحد أكثر المقرّبين منه في الآونة الأخيرة لـ«الأخبار»: «القدس. كانت برنامجه العملي وحلمه وهاجساً شخصياً يلهج به في الجلسات الخاصة!».

المهندس الذي «أتعب» أميركا
- ممكن نشوف أبو مهدي المهندس خارج الحشد (الشعبي)؟
- ممكن... إن شاء الله شهيد.
ذلك مقطع من حوار تلفزيوني أُجري مع الحاج جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم، عقب الانتخابات التشريعية العراقية الأخيرة في أيار/ مايو 2018. إجابة سريعة ومكثّفة جلّت قناعة الرجل الستيني، الراسخة كرسوخ نخل البصرة الجنوبية، مسقط رأسه، منذ تخلّى المهندس الشاب، خرّيج جامعة بغداد، عن اسمه المدني، ليحمل لقباً اختاره بنفسه: «أبو مهدي».
متنقّلاً بين تنظيمات الإسلام السياسي، ودول الصراع في منطقة الشرق الأوسط، راكم المهندس تجربة غنية: أمنية وعسكرية وسياسية، ليُعرف لاحقاً - وتحديداً بعد الاحتلال الأميركي للعراق في نيسان/ أبريل 2003، بـ«رجل إيران في العراق»، ما دفع واشنطن إلى إدراجه على لائحة العقوبات الخاصة بها لعام 2009. علّق المهندس على تلك الخطوة بأن «الأميركيين تحسّسوا منّي بسبب خلفيّتي الجهادية وحضوري في أكثر من ساحة، خصوصاً في أحداث النجف (2004) وما تلاها. كذلك، تحسّسوا من دوري المتواضع في إنشاء الائتلاف الوطني العراقي، الأول والثاني».
استطاع المهندس، بوصفه وحداً من أبرز وجوه محور المقاومة، بناء شبكة من العلاقات المتشعّبة من طهران إلى غزة، مروراً ببغداد ودمشق وبيروت. استثمر صداقاته القديمة في مشروع بناء المقاومة العراقية، منذ تسعينيات القرن الماضي ضدّ النظام السابق برئاسة صدام حسين، وصولاً إلى مطلع الألفية الثانية ضدّ الاحتلال الأميركي، قبل أن يُتوّج مسيرته بالحرب ضدّ تنظيم «داعش» في حزيران/ يونيو 2014، والتي تسنّم خلالها منصب نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي».
مسيرته «الجهادية» الحافلة كرّسته رقماً صعباً في حسابات «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني. يصفه البعض بـ«العضد العراقي» لقائد القوة اللواء الشهيد قاسم سليماني، حتى اقترن اسمهما ورسمهما، خصوصاً في الأعوام الخمسة الأخيرة، على سواتر المواجهة ضد «داعش»، من حزام بغداد إلى تلعفر (شمال غربي البلاد)، وصولاً إلى القائم - البوكمال (عند الحدود العراقية - السورية). الرحلات المشتركة لم تعرف حدوداً؛ مرة يطلّان من العاصمة السورية دمشق حيث يزوران مقام السيدة زينب، وأخرى في جرود القلمون عند الحدود السورية - اللبنانية إبّان معارك المقاومة ضدّ المجموعات الإرهابية، وثالثة عند الحدود مع فلسطين المحتلة خلال الاطلاع من قيادة المقاومة على تفاصيل عملية الردّ على اغتيال الشهيد جهاد عماد مغنية ورفاقه.
طوال أعوام الدم والنار ضدّ «داعش»، بدا الحاج الذي غزاه الشيب بحيوية الشباب. تراه في مقرّه مجتمعاً بضيوفه، ليتوجّه من دون سابق إنذار إلى خطوط التماس، وتَعرِف لاحقاً أنه حطّ على الساتر الأمامي في إحدى الجبهات للإشراف على إنجاز مهمةٍ مستعجلة. كان يصل ليله بنهاره، ما انعكس دائماً إرهاقاً على وجهه.
الثابت الأبرز في مسيرة المهندس عداؤه المطلق لواشنطن، وإيمانه بالمقاومة المسلّحة لطردها. يصف الحضور الأجنبي في العراق بأنه «خطٌّ أحمر قاتم بلون الدم»، مؤكداً - باللهجة المحكية المصحوبة بضحكته المعهودة - أن الروح المقاوِمة «لا تتعب... أميركا هي اللي تتعب». هذا الثبات شكّل محطّ إشادة في ردود الفعل التي أعقبت نبأ اغتياله، وعلى رأسها موقف المرشد الإيراني، السيد علي خامنئي، الذي وصفه في بيانه أمس بـ«مجاهد الإسلام الكبير»، وأيضاً بيان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي عدّه «قائداً كبيراً»، علماً أن المهندس كان ضيفاً دائماً على القائدَين، خصوصاً نصر الله الذي كانت زياراته إليه دورية، وآخرها في أيلول/ سبتمبر الماضي.
في أيّامه الأخيرة، كان حنين الرجل كبيراً إلى رفاق سلاحه الشهداء، وحديثه دائماً عن الشهادة. تحدّث - كما يُنقل عمّن التقاه أخيراً - عن «السابقين»، آملاً أن يكون من «اللاحقين». تحقّقت للمهندس أمنيته، برفقة من كان يصفه بأنه «قائده». سقطا معاً في الطريق إلى بغداد، فيما كانت الوجهة حتماً: القدس.

«الجنرال»: سنهزم أميركا في سوريا
لم تكن علاقة الحاج قاسم سليماني بسوريا وليدة الحرب، على الرغم من أنها بلغت ذروتها خلالها. هذه العلاقة بدأت مبكرة قبل تحرير الجنوب في العام 2000 بسنتين، حين تمّ تعيينه كقائد لـ«فيلق القدس» عام 1998. آنذاك، كان قادة «الحرس الثوري» المعنيون بمتابعة الملفات الخارجية، وخصوصاً العلاقة مع قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، يتخذون من سوريا مكاناً لإقامتهم. منذ ذلك الوقت، كان الحاج قاسم ينظر إلى سوريا كقاعدة «آمنة» لتوزيع المهام وعقد اللقاءات، والاستفادة من موارد الجيش السوري وقدراته، وأيضاً من وجود شخص رئيس الجمهورية بشار الأسد. في ما بعد، كان الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث ظهرت سوريا كهدف تالٍ للغزو الأميركي، وشكّلت في ذلك الوقت قاعدة لرفد المقاومة العراقية بالتجهيزات والسلاح لقتال الأميركيين، وهو ما كان لقاسم سليماني دور بارز فيه.
على الرغم من قِدَم نشاط سليماني في سوريا، إلا أن التحوّل الحقيقي في العلاقة كان بعد حرب تموز 2006. في تلك الفترة، بدأ دوره في سوريا يكبر باطّراد، مع انطلاق مرحلة جديدة من العمل برفقة صديقه وشريكه في حزب الله الشهيد القائد عماد مغنية. آنذاك، وفي ظلّ العمل على نقل تجربة حزب الله إلى الفصائل الفلسطينية، تحوّلت سوريا إلى أكثر من خط إمداد للمقاومة، إذ صارت حلقة وصل حقيقية بين قوى المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين، وبإشراف من الحاج قاسم. بعد سنتين، استشهد مغنية، شريك مشاريع سليماني في سوريا، لتتحوّل كلّ أعباء الملف إلى مسؤولية الأخير وحده.
نقطة التحول الثانية في سياق علاقة سليماني بسوريا كانت في العام 2011. تنبّه الحاج مبكراً لما يخطط لهذا البلد. بعد فترة قصيرة من المراقبة، اتخذ قراراً بتعزيز دور المستشارين الإيرانيين هناك، بموجب الاتفاقات الموقعة مع بين طهران ودمشق، قبل أن يضع خطة عمل مبدئية تقوم على: «أولاً، الحفاظ على الرئيس الأسد كشخص وموقع. ثانياً، الحفاظ على تماسك الجيش السوري قدر الإمكان. ثالثاً، الحفاظ على العاصمة دمشق بعد بدء سقوط المحافظات الأخرى. رابعاً، منع قطع الوصل بين غرب سوريا وعاصمتها دمشق عبر منع سقوط حمص». بعد ذلك، شرع الحاج بالتعاون مع القيادة السورية في بناء جيش رديف (الدفاع الوطني) وتطويره. كان تشخيص الحاج قاسم أن «الأعداء ذاهبون إلى تدخل أكبر بكثير في الحرب في سوريا، ولن نقف مكتوفي الأيدي». أظهر اهتماماً خاصاً بمعارك محافظة حمص، وخصوصاً منطقة القصير، ومعارك ريف دمشق الشمالي الغربي، وخصوصاً منطقة القلمون. تابع معارك القلمون الأولى والثانية بنفسه، وجال خلالها ميدانياً. «كان يرى فيها بعدين: الأول أن هذه المناطق تمنح قدرة على تأمين شريان حياة للعاصمة دمشق نحو لبنان وحماية الأخير، والثاني تأمينها ضمن خطط تحصين العاصمة السورية». في تلك الفترة، بدأت المعارك في الساحل أيضاً، ليبدأ الحاج بتعزيز «الدفاع الوطني» بالعتاد والعديد، مولياً اهتماماً أيضاً للحرب الإعلامية والنفسية ضدّ المسلحين ومشغليهم.
في العام نفسه الذي انطلق فيه العمل لتأمين دمشق، خصوصاً من جهة لبنان، برز تهديد الولايات المتحدة بـ«الردّ» على هجوم كيميائي مفترض وقع في ريف دمشق، واتُهَم به الجيش السوري. في ذلك الوقت، تواجد الحاج قاسم في دمشق، وأجرى اتصالات عدة، فضلاً عن عمليات تعزيز عسكرية، وإجراءات ميدانية في عدة بلدان في المنطقة. كما وجّه رسائل مباشرة وغير مباشرة إلى الأميركي تحذّره من مغبة الخوض في حرب على سوريا. «نُصح أوباما بأن هذه تجربة العراق أمامك»، يقول أحد المقرّبين من الحاج، مضيفاً: «كان القرار أن سوريا لن تسقط حتى لو ذهبنا إلى خيارات استشهادية». حينها سُرِّب إلى الإعلام نقلاً عن سليماني قوله: «بلاد الشام هي معراجنا إلى السماء وستكون مقبرة الأميركيين»!
العام التالي، عام سيطرة تنظيم «داعش» على أجزاء من العراق، رصدت فرق الحاج تحركات التنظيم ونشاط عناصره. مباشرة، حطّ ليلاً في بغداد: «كان التشخيص منع سقوط بغداد»، يقول مصدر مقرب من سليماني. بعد مدة قصيرة، ظهر أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم، في خطبة في غرب الموصل أعلن فيها قيام «الخلافة». تسارعت الأحداث، فتمدّد «داعش» في العراق ثم سوريا. مباشرة، شرع الحاج في رسم خريطة عمل، أقرّ بموجبها «علاجاً» باتجاهين: الأول تعزيز «الحشد الشعبي»، والثاني تعزيز الجيش السوري والقوى الرديفة في سوريا والتجهيز لقتال التنظيم. في عام 2015، مع تعاظم خطر «داعش» واستعار المعارك حول مدينة حلب، بدأ سليماني مساعيه لإدخال روسيا على خطّ الحرب السورية. هكذا، توجّه إلى موسكو، بعد «اتصالات روسية إيرانية رفيعة المستوى أدت إلى اتفاق يقضي بضرورة ضخّ دعم جديد للأسد»، و«توفير أسلحة روسية أكثر تطوراً للجيش السوري، وإنشاء غرف عمليات مشتركة تجمع هؤلاء الحلفاء معاً بالإضافة إلى العراق».
جنوباً، ومع بدء الغارات الإسرائيلية في سوريا، ذهب الحاج مباشرة بإطلاق المقاومة الشعبية في الجولان، وكان مسألة «ربط نزاع» أكثر من كونه اتجاهاً عملياتياً ضخماً. بعد غارة القنيطرة الشهيرة التي استشهدت فيها مجموعة من حزب الله والحرس الثوري، أخذ سليماني قراراً بالذهاب نحو أبعاد أخرى للعمل في الجنوب، عبر توسيع العمليات في المدن والبلدات الجنوبية (الشيخ مسكين ...). وفي السياق نفسه، سعى دائماً الى تفعيل برامج التطوير والتحديث في الأعمال العسكرية والتسليحية لقوى المقاومة في سوريا وانطلاقاً منها. وعلى هذا المنوال، وضع برامج تشغيلية لعدد كبير من القوى متعددة الجنسيات للعمل عليها وتدريبها وتجيزها لقتال إسرائيل، والإعداد لـ«المعركة الكبرى».

كسر الحدود
كان استحقاق الشمال السوري (حلب 2015 – 2016 / الشرق 2017) منعطفاً حقيقياً في الحرب، أولاه الحاج قاسم اهتماماً كبيراً. يقول أحد القادة الميدانيين الذين شاركوا تحت قيادته في المعركة إن الحاج «تواجد شخصياً في الميدان وعاين السواتر بنفسه»، كما كان يقوم «بعشرات الرحلات، بعضها يومي، بين بغداد ودمشق وبيروت وطهران» لتنسيق العمليات. شكّلت معركة حلب بالنسبة إليه «المعركة الحاسمة». كان الرئيس الأسد، بعد السيطرة على المنطقة الوسطى، قد ارتأى أن تكون حلب هي الوجهة المقبلة، وهو ما تبنّاه الحاج أيضاً. لم يتأخر سليماني عن المهمة: سرعان ما بدأ بالتخطيط، ليُعلَن لاحقاً عن غرفة «عمليات الحلفاء» وينطلق التحشيد العسكري والإعلامي. أراد الحاج معركة حلب «باكورة التعاون بين قوى محور المقاومة وروسيا»، بحسب ما يقول قائد ميداني كان برفقته حينها. أشرف سليماني شخصياً على التجهيزات، وأجرى لقاءات مع كلّ الفصائل المشاركة في العمليات. وفي العام 2016، بدأ الحديث عن سلامته الشخصية، وإمكانية تعرّضه لاغتيال. يومها، قال له القائد علي خامنئي: « شاهدتك على التلفاز».

كان استحقاق الشمال السوري منعطفاً حقيقياً في الحرب، أولاه الحاج قاسم اهتماماً كبيراً

أما في معارك الشرق السوري، خصوصاً عمليات البادية السورية، فقد كان الحاج قاسم حاضراً شخصياً أيضاً. تهيّب الجميع الدخول في تلك المعارك: صحراء قاحلة ومساحات مفتوحة ممتدة على العراق، ولا أفق للعمليات فيها. أصرّ على خوض غمار البادية مقاتلاً. أعلن بدء عمليات «والفجر» الكبرى، وكان يقودها ميدانياً. يروي أحد القادة أن سليماني أرسل مبعوثاً إلى مقرّ واحد من «الكوادر» في حزب الله، طالباً ملاقاته على وجه السرعة. كان ذلك في يوم من أيام شهر رمضان من العام 2017. تحرّك المسؤول سريعاً، وحين وصل سأل الحاج: ألم تكن تنتظر المسألة إلى ما بعد الإفطار؟، فردّ سليماني: «يجب أن نهزم أميركا». كان الحوار المتقدم قبيل توجّه الرتل الأول من قوى المقاومة نحو الحدود مع العراق، والإعلان عن التقاء القوات السورية والعراقية والحليفة عند الحدود. قبيل ذلك، وصل الحاج قاسم إلى خط الجبهة في البادية، وأجرى اجتماعاً مع القادة الميدانيين هناك، وأعلمهم أن «الأميركي يريد الدخول إلى البوكمال إذا لم ندخل خلال 5 أيام»! بعد الاجتماع، خرج ووقف على الساتر، وطلب من العسكريين فتحه أمامه، ليتقدم بنفسه بسيارته وسيارات مرافقيه، حتى قطع 35 كم في ساعة ووصل إلى البوكمال، قبل أن يصل الأميركيون.

«الحاج» في العراق: قائد بلا أوامر
كان ذلك ذات مساء بارد، مطلع شهر آذار عام 2015. في اليوم الأول من عمليات «لبيك يا رسول الله» المخطط لها أن تحرر نحو ألفي كلم مربع شرقي نهر دجلة ما بين سامراء وبيجي باتجاه نهر العظيم. صعد الحاج قاسم سليماني في آلية عسكرية مصراً على التوجه إلى الخطوط الأمامية على محور سد العظيم، حيث واجهت القوات عقدة دفاعية للعدو راوحت عندها. كعادته، أعطى توجيهاته مجبولة بشحنة عالية من المعنويات سرعان ما وجدت ترجمتها باندفاعة متجددة للقوات دفعت بها نحو عمق منطقة العدو. في طريق العودة، سلكت سيارة الدفع الرباعي، محمّلة بقياديَين من الحشد ومستشار لبناني من حزب الله، طريقاً عسكرية شقتها آليات سلاح الهندسة التابع للحشد لتجاوز العبوات المنتشرة في المنطقة بكثافة. على أطراف الطريق، كانت مجموعة من المقاتلين تأخذ استراحة محارب، بينهم شاب عشريني يرتدي كنزة خفيفة ويبدو عليه التأثر ببرودة الجو. ما إن اجتازت السيارة جوار المجموعة حتى طلب الحاج قاسم من المستشار الذي كان يقود السيارة التوقف فورا. وسط تفاجؤ الجميع، فتح باب السيارة ونزل سريعا متوجها نحو مجموعة المقاتلين. ارتبك مرافقو الحاج، وسارعوا إلى اللحاق به خشية عليه من العبوات. اقترب الجنرال مبتسماً من ذاك المقاتل، مدّ يده إلى جيب السترة التي كان يرتديها، أخرج منها بعض الأوراق، ثم خلعها ووضعها على كتفي المقاتل المذهول، تناول رأسه بيديه وطبع قبلة على جبينه ثم قفل عائدا إلى السيارة. فيما كان المرافقون يلملم بعضهم البعض الآخر، تقدم أحدهم نحو الشاب وسأله: هل تعرف من هو هذا الشخص؟ نفيٌ بريء عكسته سريعا ملامح الشاب، قبل أن يأتيه الجواب من السائل: هذا الحجي قاسم، هنيئا لك سترته. كابَرَ المرافقون على الدمع الذي اجتاح عيونهم، حاولوا قول شيء ما، لكن الحاج رمقهم بواحدة من نظراته الحاسمة أفهمهم بها بأن الموضوع انتهى ولا يرغب بالحديث عنه.
تسعة أشهر قبل ذلك. الشوارع في مدينة بلد، منتصفَ حزيران 2014، كانت مشبعة برائحة الخوف. السواد الأعظم من أهالي المدينة الواقعة جنوب سامراء مشغولون بتحميل أمتعتهم على سياراتهم تمهيداً للرحيل. داعش أحاطت بالمدينة من معظم الإتجاهات، لكن ثمة منفذاً باتجاه بغداد كان لا يزال متاحاً. عبره سلكت قواتٌ مبعثرة من بقايا فصائل المقاومة إبان فترة الإحتلال طريقها نحو المدينة. المهمة: فتح الطريق إلى مدينة سامراء وفك الحصار عنها ومنع سقوط مقام الإمامين العسكريين. سوء التنظيم، حالة من الإرباك والكثير من الحساسيات المتبادلة بين الفصائل طبعت الأجواء. أيام قليلة ويأتي الحاج قاسم برفقة الحاج أبو مهدي المهندس. يدعو إلى اجتماع عاجل، يحضره مسؤولو القوات متذمرين من التعثر وقلة الإمكانات. نصف ساعة كانت كافية لـ«الحجي الكبير» لحل مشكلة التنظيم من خلال توزيع القوات على محاور تقدم محددة وإسناد مهام محددة لكل منها. رداّ على شكوى الإمكانات، قال بشكل حازم: إن لم تقاتلوا اليوم بهذه الإمكانات القليلة التي تشكون منها، فإنكم ستقاتلون غدا في منطقة خلفية بإمكانات أقل وبروح معنوية أسوأ، ولن تتمكنوا من تحقيق الإنجازات المطلوبة. جال بنظراته الواثقة في أوجه الحاضرين مردفاً بعربية ثقيلة: أنتم اليوم، بإمكاناتكم المتواضعة، لكن بروحيتكم الجهادية ومعنوياتكم المرتفعة وتلبيتكم المتوثبة سرعان ما ستكتشفون أن النصر حليفكم. بعضكم سينتصر بالشهادة، وإن شاء الله نكون نحن منهم، البعض الآخر سينتصر بفك الحصار عن سامراء.
في الغداة انطلقت القوات نحو مغامرتها، عديدها بالمئات، وعتادها أسلحة خفيفة في الغالب، وبعض الأسلحة المتوسطة، مشفوعة ببعض الهامرات ودبابتين من نوع أبرامز. قريباً من منطقة الإسحاقي، في منتصف الطريق إلى سامراء، تعرقل التقدم البطيء أصلاً، ثم ما لبث أن جمد إثر التعرض لرمايات من جهة العدو. عقد الحاج قاسم اجتماع عمليات ميداني، وتحدث مع الجمع باطمئنان استغربه الحاضرون الذين كانوا مأخوذين بالرعب الداعشي. قال لهم: هذه هي النقطة التي سينكسر فيها داعش؛ إذا ثبتم وحررتموها ستكون الطريق مفتوحة إلى سامراء. لم يُطل الكلام: «سنواصل التقدم»، ختم ثم صعد في سيارة دفع رباعي طالباً من السائق التحرك قدما. ليست الأوامر العسكرية، ولا الإنضباط التنظيمي كانا ما حركا القوات خلفه على تردد. وحده الخجل من شجاعته، والشعور بالذنب من احتمال تعرضه لمكروه، دفعا نحو خمس عشرة آلية للحاق به متقدماً غير آبه برمايات أصاب بعضها سيارته. في غضون دقائق، تجاوز الرتل المتقدم منطقة التماس، فإذا بالقوات المتبقية تنتابها الحماسة وتندفع خلف موكب الحاج وتلتحق به. مع الوصول إلى سامراء كان الرتل ممتداً كيلومترات على الطريق؛ ينظر الحاج قاسم إليه وسط سعادة غامرة اعترت الجميع بالإنتصار المتحقق ويعلق ممازحاً: ما شاء الله، كنا في البداية نتوسل القوات، والآن بفضل الله القوات كلها وراءنا.
في اجتماعات التخطيط للعمليات، إختار أن يكون دائما آخر المتكلمين. يعطي الكلام بالدور للحاضرين مستمعاً إلى وجهات نظرهم. يستمزجها، ثم يدلي برأيه حاسماً النقاش من دون الحاجة إلى ممارسة سطوة القيادة في إصدار الأمر. كان يكفي أن يحمل القلم بيده الجريحة ويرسم على الخريطة منطقة العمليات المفترضة ومحاور التقدم الأولية إليها كي يسلّم الجميع بالمهمة طواعية، نزولاً عند عشقهم للحاج، لا عند إمرته لهم. غالباً ما كانت الدوائر التي يحددها لمنطقة العمليات شاسعة المساحة، بما يفوق توقعات الحاضرين. درجت في أعقاب ذلك دعابة وسط بعض المستشارين الإيرانيين تدعو إلى أن تكون مقاييس خرائط التخطيط المقدمة إلى الحاج دون «الواحد على عشرة آلاف»، كي تصغر مساحة الدائرة التي يرسمها لمنطقة العمليات.
بيجي، تشرين أول 2015. عند مشارف نهاية العمليات التي أفضت إلى تحرير المدينة ومحطيها الأوسع، يكون الحاج قاسم في خلوة استراحة قصيرة في أحد مقرات العمليات. يتسلل مقاتل إلى مكان استراحته، يقف بالباب، ويومئ إليه على خجل بوجود ثلة من رفاقه يرغبون بالتقاط الصور معه. يبتسم الحاج: «در خدمتيم» (بخدمتكم) وينهض من فوره، يرتب ثيابه ويخرج إلى المجموعة التي تنتظر في الخارج على أمل. يتوسطهم وتبدأ حفلة التصوير التي، كما في كل مرة يجري ضبط الحاج فيها بحضور كاميرا، لا تنتهي. الجنرال الذي يملأ صيته المشرق والمغرب، كان بين المقاتلين كأحدهم، يتودد إليهم، يمازحهم، يقبلهم، يأنس بهم، ويفيض بطاقة استثنائية لإشباع رغباتهم التواقة إلى التقرب منه، تقبيله وضمه، التصور معه، أو اغتنام شيء من أثره، عادة ما يكون شالاً على كتفه، أو خاتماً في إصبعه. لم يكن شيئاً غير مألوف أن تجده يركب دراجة نارية وراء أحدهم متفقدا وضعية القوات أثناء العمليات، أو في سيارة بيك آب، التي كان يفضلها على سيارات الدفع الرباعي الفخمة ويهرب من طوابير مواكبها التي تحرص، لأغراض حمائية، على الإلتصاق بحركته.
البوكمال، تشرين الثاني 2017. يتنفس الحاج قاسم بصعوبة. النزلة الصدرية التي ألمت به تزداد سوءاً، وتُخمد همته المستديمة على الحضور في الميدان. يلتحف عباءة عربية ويحزم رأسه بلفحة عربية أيضاً، ويجلس وعلى محياه الإعياء في احدى غرف مقره، مصراً على مواكبة سير عمليات تحرير المدينة. يرفض نصيحة الجميع بالذهاب للعلاج والراحة. ما هي إلا أيام وتنتهي العمليات بتحرير المدينة. يدعو إلى اجتماع موسع. ربما كان أحد الإجتماعات النادرة التي ضمت معظم مكونات القوات المقاتلة في محور المقاومة: عراقيون، سوريون، لبنانيون، إيرانيون، أفغان وباكستانيون. بارك في كلمته للجميع الإنتصار على داعش وأثنى على التضحيات معلناً إنجاز المهمة التي «بدأتموها قبل ثلاث سنوات ونصف». ينصرف الجميع، ويبدأ الحاج بإعداد نفسه للرحيل. قبل أن يغادر المنزل، يخط بيده رسالة لصاحب الدار التي كان اتخذها مقرا لإقامته، يبلغه فيها أنه أهداه صلاة ركعتين ودعا له بحسن العاقبة، ويطلب فيها منه مسامحته على اضطراره إلى استخدام المنزل ويطلب منه أن يتواصل معه على رقم الهاتف المدون أسفل الرسالة للحصول على التعويض الذي يرتأيه لإبراء ذمته. توقيع الرسالة: إبنكم وأخوكم، سليماني.

إسرائيل «ترتاح» من أكبر الأعداء: أسئلة اليوم التالي

لا جدال في أن الفائدة الاستراتيجية التي تحقّقت لإسرائيل، جرّاء الاس
تم نسخ الرابط