الناس على دين ملوكهم... بقلم جعفر قرعوني

قيل: الناس على دين ملوكهم، وقيل أيضا: كما تكونوا يولى عليكم. وقد بحثت عن مصدر القولين فلم أجد لأي منهما مصدرا معتبرا، وأكثر من ذلك لم أجد لأي من القولين منطقا ولا حكمة.
فليس صحيحا من حيث الدقة أن الناس على دين ملوكهم أو حكامهم، ففي عهود الحكام الظالمين لم يرض بهم كل الناس، وفي عهود العادلين كذلك. ولا صحيح انه كما تكونوا يولى عليكم، فقد ولي علي عليه السلام على اشباه الرجال ولا رجال، أي على أقوام لا يشبهونه بشيء، ملاوا قلبه قيحا وشحنوا صدره غيظا.
اما من حيث ما يقصد بالقولين غالبا فهو للتعبير عن كذب الناس على نفسها، والتناقض والخداع والادعاء الكاذب في مواقفها. وغالبا تجدهم يباركون ظالميهم.
ولكن لماذا؟ طبعا هناك من يعتبرها تقية لتجنب البطش أو لكسب مصالح شخصية من ذوي النفوذ. وهذا منطقي وضروري لحفظ النفس. ولكن ما هي المصيبة؟
المصيبة هي في طاعة الظالم الطوعية. يعني عندما لا يشعر الانسان انه مجبر. وهذه هي طامة بلادنا الكبرى. انها حب عبادة الأصنام البشرية.
عبد الجاهليون الاصنام وكانوا يعلمون أن ليس لها أي فضل وادعوا انهم يعبدونها تقربا الى الله. والحقيقة انهم كانوا يانسون لها ولا يقدرون على تركها، حتى ان منهم من قال بعد الإسلام: تلك الغرانيق الأولى منها الشفاعة ترتجى.
معظم الناس لا تقدر ان تتخلى عن معبوداتها البشرية ولو كانت تعلم انها لا تؤدي لها اي مصلحة.... وغالبا: لقد وجدنا اباءنا لها عاكفين.
حتى شارل ديغول، رجل فرنسا الكبير، قال له الطلاب كفى فقال كفى وذلك بعد ان كافح النازية وجاهد كي لا يستعمر الحلفاء فرنسا كثمن لتحريرها، وهنا كان محقا ولم يطلب من الشعب حكما مدى الحياة، ولو فعل لكرهوه الى الابد.
صديقي واخي العزيز، لعله من الظلم أن نحمل الناس ما لا يقدروا عليه. لقد كان لغاندي رأي : لا تقل لا، ولا تفعل ما يتمنوه. مع انني لا أحب غاندي لأنه تسبب في تجهيل الهند وايصال الهندوسية المتخلفة الى الحكم.
اتوقف هنا ولعلي وفقت في التشخيص، ولا اظن ان لدي العلاج.
ليس عندي ما أزيده. ولا أتمنى إلا الخير والسلام للوطن الجريح.
جعفرقرعوني