«الفيدرالية في لبنان ليست الحل» .. كتب عزيز ابراهيم

تكاد لا تفتح أي موقع من مواقع التواصل الإجتماعي وإلا وتصادف بعضاً من أساطين مدرسة التّلبنُن الإنعزالي يستفيض في شرح معنى النظام الفيدرالي ومردّه "الإيجابي" على وحدة لبنان ظناً منهم أنهم يقولون بشيئ نحن لم نسمع فيه قبل أو لا نعرفه!
- تأبى قوى الرجعة أن تلقي سلاحها
عادت قوى الرجعة اليوم إلى طرح مشروع النظام الفيدرالي ونغمة التقسيم الإداري بحجة أن النظام الحالي (على علّاته) لم يعد يتلاءم مع الواقع الذي انحدرت إليه التعددية اللبنانية، وأن "الميثاقيين" اليوم قد أرهقهم الرهان على "الوقت" لإنقاذ التجربة اللبنانية المركزية إن صحّت التسمية، ولم يبق لنا حل مع هذا اللبنان التشاركي سوى التقسيم الإداري تحت عباءة النظام الفيدرالي، ليصبح بإمكان "المُرهقين" تشغيل مرافئهم ومطاراتهم وإنشاء مؤسساتهم من مدارس وجامعات ومستشفيات بعد اعتماد نظام "اللامركزية المالية" وذلك من أموالهم الخاصة التي تبقى لهم بدلاً من أن تذهب إلى جيوب ومناطق غيرهم. هذا الخطاب الخطير الذي نسمع نغمته اليوم هو في الحقيقة المخرج الأخير لقوى الرجعة والذي يحول دون سقوطها.
- داوني بالتي كانت هي الداء
هذا الطرح الرجعي يعيدنا إلى مرحلة "المتصرّفيات" وبداية نشوء الكيان اللبناني المستقل، حين أمعنت قوى الإستعمار الفرنسي في سلخ لبنان عن محيطه القومي بإنشاء نوع من الإدارات المستقلة قائم على أساس ما يسمى المتصرّفيات (والتي تشبه إلى حد ما الطرح التقسيمي اليوم تحت مسميات الفدرلة) بعناية الإحتلال الفرنسي، والتي مهّدت إلى شكل لبنان بنموذجه الحالي، وأدت إلى نشوء فئات نيورجعية تتكلم اليوم بلغة الأجنبي.
في حين أن هذا النمط من البروتوكولات المتصرفية والفيدرالية لا يؤمن سوى مصلحة الدول الإقليمية الطامعة في مقدرات بلادنا وعلى رأسها "اسرائيل"، لا نحتاج اليوم إلى "مثال" صارخ لإثبات فشل بروتوكولات المتصرفيات والفدرلة وأشكال التقسيم الإداري أكثر من مثال لبنان بشكله الحالي، من حيث أنه عملياً اليوم يعيش عصره الإستقلالي عن محيطه القومي وكل دعوات قوى الرجعة بالنظام الفيدرالي ما هي إلا إعادة تشريع تلك الآفة الإنعزالية وقوننتها مرة أخرى، أي إعادة استبدال الرجعة المنظمة إلى رجعة غير منظمة وأكثر تقسيماً من أي وقت مضى.
- الفيدرالية ليست حل بل ولّادة أزمات
الفيدرالية وإن كانت تجربة ناجحة في بعض الدول العظمى (ذات الأنظمة المدنيّة) ولكنها ليست حلاً في لبنان لسبب بسيط هو أنها تشكل في مكان ما عودة جديدة أكثر تنظيماً للإقطاعيات الوراثية - المذهبية وإحكام نظام السطوة والسيطرة على فئات الشعب المنقسم على نفسه أصلاً، في حين يصبح النظام الفيدرالي الخطوة الأولى باتجاه تقسيم لبنان إلى كيانات طائفية تحت جنح الشعور الديني مع مرور الزمن، فتشعر بعدها كل طائفة بخصوصيتها المذهبية والإدارية والمالية وغيرها، فتضمحل معها صفة "المواطنيّة" اللبنانية وتحل محلها صفات "الفئوية" الطائفية، لنعود بذلك القهقرى!
- الفيدرالية رديف التوطين الفلسطيني
طالما أن الفيدرالية تقوم على قاعدة ديمغرافية حتماً وهذا نتيجة الواقع الإجتماعي في لبنان وتلازم هذا الطرح مع عودة نغمات 1559 وفقاً لأهداف أحادية الجانب تركز في بنودها على نزع سلاح ما تسميه "الميليشيات" وضبط الحدود الشرقية، فهو يطال بالدرجة الأولى الوجود الفلسطيني في لبنان من حيث أنه يصب في مسار نزع سلاح المخيمات، كما أن مسألة ضبط الحدود تصب أيضاً في التصويب على القواعد الفلسطينية خارج المخيمات، والتي يقع غالبيتها على الحدود وتعتبر نقاط إزعاج بالنسبة "لإسرائيل" التي لطالما وجدت من منطقة البقاع اللبناني خاصرة ضعيفة للإنقضاض على العمق السوري والسلسلة الغربية. بالتالي كل من يطالب بالفدرلة فهو يطبق أجندة "اسرائيلية" لضرب حق العودة وتوطين الفلسطينيين. والعكس صحيح، فيكون التوطين أيضاً مقدمة للتقسيم على قاعدة أن توطين الفلسطيني يُحدث خلل بالتوازن في "التركيبة اللبنانية" فتقدّم الحجة الواهية لقوى الإنعزال المسيحي بإقامة كانتونات حكم ذاتي في مناطقهم، وبناء عليه فإن مسألة التوطين والتقسيم مسألتان متلازمتان.
- انتصار الشام مرتبط بوحدة لبنان
الدولة السورية التي انتصرت على مشاريع ضرب مفهوم الدولة الوطنية ومحاولات تقسيم وتفتيت البلاد إلى كانتونات طائفية ببطولات الجيش السوري وقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية لن تسمح (فيما يعتبر استمرار للمواجهة مع سوريا) بتقسيم لبنان تحت مسمى الفيدرالية، ويجب أن يعلم الجميع، أن انتصار الجيش السوري في الميدان وإجهاض مشاريع تقسيم البلاد سينعكس مباشرة على تعزيز مفهوم "الدولة الوطنية" في لبنان، وخير لنا جميعاً أن ندرك اليوم حقيقة ارتباط مصير الشام عضوياً مع مصير لبنان وأن مصلحته من مصلحتها.
وفي هذا السياق ليعلم جيداً من يُتحفنا اليوم بطرحه الفيدرالي وليدرك منذ هذه اللحظة، وأنه وفي حال تشريع مسألة الفدرلة ستقوم شريحة كبيرة من اللبنانيين من الأطراف الذين ترتبط مصالحهم الحيوية مع سوريا بشكل مباشر بطلب الوحدة مع الدولة السورية من جانب أنها تحمل عناوين "وطنية" كرد فعل بديهي على واقع الكانتونات "الطائفية" التي تحيط بها، ولتتحمل هذه الكانتونات عواقب انعزالها ومسؤولية تقليص مساحة لبنان، فلن يعود بإمكانهم بعدها التغنّي بمساحة ال 10452 كم حين يصبح "لبنانهم" على قياس انعزالهم فقط.
- متأهبون لمواجهة المشاريع الإنفصالية
وإذا ظنت "اسرائيل" أنها بلحظة ما تستطيع أن تنتهز فرصة الضغوطات السياسية والإقتصادية التي تعصف بالدولة اللبنانية، وتُقدم على عمل عسكري يهدف في مكان ما، إلى تغيير النظام السياسي باتجاه الفيدرالية التي تؤمن مصالحها بشكل مباشر، فإن تلك المقاومة، والتي أحبطت أمس مشروع "أسرلة" لبنان وقاتلت الإنفصاليين في بيروت وكان لها دور رئيسي في إفشال مشاريع التقسيم في المنطقة، متأهبة اليوم لمثل هذا التهوّر، وستدفن كل "بشير جديد" يعمل على تطبيق أجندات تتعلق بمصلحة "اسرائيل" ولن تسمح لأي زمر رخيصة بتفكيك وحدة اللبنانيين وإنزال وطنهم في مهاوي الفقر والذلّ والاستعباد.
- المطلب الفيدرالي يواجهه مطلب الوحدة
الحل يمكن بمشروع إصلاحي لبنية النظام اللبناني يعزز مفهوم المواطنة، يبدأ بقانون انتخابات عصري يقوم على أساس النسبية خارج القيد الطائفي ولبنان دائرة انتخابية واحدة، ويترك التحاصص الطائفي لمجلس شيوخ بحسب اتفاق الطائف، فيكون بذلك خطوة أولى نحو اعتماد آليات فصل الدين عن الدولة واستقلال القضاء وتعزيز مفهوم مدنيّة الدولة التي يكون عمادها المساواة بين المواطنين اللبنانيين في الحقوق والواجبات واعتماد الكفاءة معيار أي عمل أو استحقاق عوضاً عن الطائفة، والعمل على الإنفتاح الاقتصادي والحيوي مع سوريا التي تشكل عمق لبنان الإقتصادي والحاضنة القومية الوطنية للمجتمع اللبناني، لأن مصلحة كل لبنان تقتضي وحدة المصالح والإنفتاح على سوريا وليس فقط الأطراف.
#الفيدراليةليستحل
*عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي