الاضواء الليلية تهدد حياة آلاف الكائنات الحية
وتوصلت الدراسة إلى أن الإضاءة الاصطناعية تؤثر سلبا على سلوك عدد كبير من الحيوانات الليلية أثناء بحثها عن الطعام أو وجهتها، مثلا، وقد تتسبب حتى في نفوقها على غرار يرقة كانت تطير حول لمبة كهربائية لاعتقادها أن ضوءها منبعث من القمر ثم نفقت من التعب نتيجة دورانها المستمر.
لكن الضوء الليلي الاصطناعي الذي زاد تأثيره السلبي مع تضاعف شدته تقريبا مدى الاعوام الـ25 الماضية، يصعب التنبؤ بتأثيره على الحيوانات المُعتادة على الظلام منذ آلاف السنين. فهل تتكيف الأنواع المعرضة له أم ستتجه عاليا نحو السماء المظلمة، أو ستشهد أعدادها انخفاضا بسببه؟
وفي محاولة للإجابة عن هذا التساؤل، تولت مجموعة من العلماء درس اليراعات المصنفة بعض أنواعها (لم يتبق سوى 2000 نوع) في حال تدهور بحسب القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض، مع أن ثمة نقصا في البيانات لتقويم وضعها بدقة. ويعود السبب في تدهور أعداد اليرقات إلى خسارة موائلها ومبيدات الحشرات والتلوث الضوئي.
ودرست باحثتان من جامعة "تافتس" الأميركية الواقعة في ماساتشوستس تأثيرات الضوء الاصطناعي الليلي على تزاوج هذه الخنافس ذات الضيائية الحيوية وتالياً على عملية تكاثرها.
"إصدار ومضات"
وعبر إجراء تجارب عدة على فصيلة من نوع "فوتينوس" المنتشرة في أميركا الشمالية، توصلت الباحثتان إلى أن انبعاث الضوء لدى الحيوانات البالغة (ناجم عن تفاعل كيميائي يحصل في بطنها) يساعدها في العثور على شريك خلال موسم التزاوج.
ويصدر الذكر ومضات تستجيب لها الأنثى أيضا من طريق الوميض الذي يشكل وسيلة لتحديد موقع الإناث من النوع نفسه والتعرف إليها.
وتوجت مجموعة من المراقبين المجهزين بمصابيح "ليد" إلى أطراف إحدى الغابات في وقت الغسق، ثم بعثوا إشارات مشابهة لتلك الخاصة بالإناث تحت إضاءة تختلف شدتها. فأتت النتيجة أن الومضات الأنثوية المزيفة نجحت بالفعل في اجتذاب 28 من أصل 29 ذكرا في الظلام، على ما أوضحت الدراسة المنشورة في مجلة "رويال سوسايتي أوبن ساينس".
وأجريت التجربة نفسها في حقلل على 34 زوجا، لكن هذه المرة على فصيلة أخرى من "فوتينوس". وكان الباحث يضيء أحيانا مصباحا على الذكور بينما يترك الحيوانات تتزاوج أحيانا أخرى في الظلام. وفي هذا الاختبار أيضا أثر الضوء الاصطناعي، حتى لو كان ضعيفا، سلبا على قدرة الذكور على تحديد مواقع الإناث.
وأعاد علماء الأحياء إجراء الاختبار داخل مختبر، إذ جمعوا الذكور والإناث في أقفاص متنوعة الإضاءة. وعند وقت الغسق الطبيعي، تزاوج 45% من الأزواج "بنجاح"، على غرار ما حصل في التجربة السابقة تحت ضوء اصطناعي ضعيف (3 لكس، وهي الوحدة التي تقيس الاستضاءة). لكن في ظل إضاءة تبلغ 30 لكسا لم يستطع أي من الأزواج العشرين التزاوج.
وخلصت الدراسة إلى أن التلوث الضوئي يشكل عاملا أساسيا في تدهور أعداد بعض أنواع اليراعات ولكن ليس كلها، وأوصت بتكثيف هذا النوع من الأبحاث لتحديد أهداف الجهود الرامية إلى حماية الأنواع المهددة بالانقراض بشكل أفضل.