السبت 05 تشرين الأول 2024 الموافق 02 ربيع الثاني 1446
آخر الأخبار

يائير لابيد.. 'حزب ربطة العنق'! بقلم د. مهدي عقيل

ياصور
إسرائيل على موعد سياسي إنتخابي هو الخامس في أقل من أربع سنوات. غداً (الثلاثاء) تشهد الإنتخابات التشريعية تنافساً محموماً بين مجموعة أحزاب أبرزها التحالف الذي يقوده زعيم المعارضة رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو والثاني بقيادة رئيس الوزراء الحالي يائير لابيد. لم يتخرج يائير لابيد من مدرسة ثانوية ولا حمل شهادة جامعية، لكنه قبل أن يتم عقده الثالث، كان واحداً من كتبة الأعمدة في الصحافة الإسرائيلية، ومن ثم استهواه العمل التلفزيوني وقدم برامج حوارية وترفيهية، ودخل عالم السينما كتابةً وتمثيلاً، مستفيداً من شخصيته المصقولة في عالم الإعلام.

عندما أتمّ خدمته العسكرية الإجبارية، سلك درب والده، الكاتب والصحافي والسياسي يوسف لابيد، فانتقل من المواقع القتالية عام 1989 ليكون مراسلاً لإحدى القنوات العسكرية الإسرائيلية. ولشدة شغفه واعتزازه بالمؤسسة العسكرية، كما هو حال معظم المجتمع الإسرائيلي، الذي وصفه ديفيد بن غوريون، بقوله: “إسرائيل عبارة عن مجتمع للمحاربين”، كتب يائير لابيد عام 2005 مسلسلاً تلفزيونياً “حربياً” نال شهرة واسعة. “غرفة الحرب” عنوان المسلسل الذي تدور معظم أحداثه في مكاتب الرئيس الأميركي ومساعديه في المبنى المجاور للبيت الأبيض المعروف بالجناح الغربي.

يرتكز المسلسل إلى فرضية خيالية عن وحدة سرية من نخبة جواسيس وضباط الجيش الإسرائيلي تعالج أزمات وطنية بدلاً من السياسيين. ويُظهر لابيد في المسلسل ما أسماها “بطولات” هذه الوحدة، وهذا ما دأبت عليه الدعاية الصهيونية في تمجيد عمل أجهزتها الاستخباراتية منذ نشوء الكيان حتى الآن.

لابيد (58 عاماً) وريث عائلة ثرية امتهنت الكتابة والصحافة، والده يوسف لابيد، الملقب بـ”تومي”، صحافي وسياسي بارز، كان وزيراً سابقاً للعدل، ووالدته شلوميت لابيد أديبة وكاتبة، وزوجته الثانية ليهي لابيد أديبة أيضاً، وكان متزوجاً قبلاً من إمرأة تدعى تمار ورزق منها بمولود ذكر. هو أب لثلاثة أولاد، أحدهم مصاب بالتوحد، وهذا ما دفعه للعمل مع الجمعيات الانسانية التي تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة.

أصدر لابيد 11 كتاباً، منها ما خصّصه للأطفال، وقدم برامج كوميدية، لكنه دائماً كان يذكر متابعيه بأنه من الذين يرتدون ربطة عنق، بمعنى أنه شخص يصلح للعمل السياسي، لذلك في السنوات الأخيرة التي سبقت انخراطه في العمل السياسي عام 2012، أقلع عن البرامج الكوميدية والترفيهية والكتابة للأطفال ليتفرغ للبرامج السياسية وحسب. وطُبِقَ عليه القانون المعروف بـ”التبريد”، والذي يوجب خضوع الصحافيين والإعلاميين إلى فترة “تبريد”، أي الانقطاع عن المهنة لمدة ما تسبق المباشرة بنشاط سياسي.

دخل لابيد السياسة من بابها الواسع، حيث أحدث حزبه (هناك مستقبل – Yesh Atid)، قبل ان تمر الذكرى السنوية الأولى على تأسيسه، مفاجأة في الوسط السياسي الإسرائيلي في انتخابات 2013، بنيله 19 مقعداً في الكنيست، فحلّ في المرتبة الثانية بعد “الليكود”، وأدعى أنه يمثل يسار الوسط في زمن دخلت فيه الحياة السياسية الإسرائيلية منذ بداية الألفية الثالثة، بمنعرج شديد التطرف، ومعه طويت صفحة الثنائية الحزبية “الليكود” و”العمل”، وباتت كل الأحزاب الإسرائيلية متطرفة ويمينية بالمضمون والقليل منها مقولب باليسار.

ورث لابيد عن والده ما يُسمى “اعتداله”، طبعاً بالمفهوم الإسرائيلي لـ”الاعتدال” في صفوف اليمين المتطرف، وكان حزب الأب (شينوي) مناهضاً بشدة لليهود المتطرفين. وهو من أصول هنغارية، وادعى أن عائلته لاقت حتفها في محرقة “الهولوكست”، إلا أن يائير تميز عن والده بتأييده حلّ الدولتين، لكن شريطة أن تكون “الدولة” الفلسطينية “مسالمة ومنزوعة السلاح”.

بات لابيد، قبل مضي عقد من الزمن على دخوله المعترك السياسي، السياسي الأول حالياً في الكيان العبري، فاعتلى سدة رئاسة الحكومة الانتقالية في 30 حزيران/يونيو الماضي، بعد أن جرى حلّ الكنيست الـ24، في أعقاب فشل الحكومة، التي شكلها مع حليفه اليميني المتطرف نفتالي بينت وشغل فيها منصب وزير الخارجية، في تمرير تمديد قانون “عنصري” يشرعن احتلال المستوطنين للضفة الغربية.

ولحسن حظّه ـ وربما لسوئه ـ وقّعت حكومته، التي لم يتجاوز عمرها الأربعة أشهر، اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، والذي يعتبر الأول من نوعه منذ اتفاقية الهدنة عام 1949، ووصفه لابيد بـ”الإنجاز التاريخي”، فيما إعتبره زعيم المعارضة ـ حليف الأمس والخصم والمنافس الأول حالياً ـ بنيامين نتنياهو، “استسلاماً تاريخياً”. وكان الأخير قد وصف لابيد سابقاً بأنه “خفيف الوزن” على أساس أنه اختبر ضعفه عندما شغل منصب وزير المال في إحدى حكوماته عام 2013، لكن نتنياهو، صاحب أطول مدة في تاريخ إسرائيل في منصب رئاسة الحكومة (12 عاماً متتالية)، لم يظن أو يتبادر لذهنه يوماً أن لابيد هو أحد شخصين (لابيد وبينت) سيقطعان عليه الطريق إلى رئاسة الحكومة.

لابيد رجل مفوه ووسيم ومليونير وملاكم هاوٍ، يدعي تزعمه ما يُسمى “يسار الوسط”، ويُكثِر الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنه في الحقيقة لا يختلف عن أسلافه ممن تعاقبوا على السكن في قصر “بلفور”. ومهما تلوّن واستغل مقوماته الشخصية، والتحف بثوبه الإعلامي السابق، يبقى لابيد إبناً شرعياً باراً لكيان يقيم على أرض مغتصبة وشخصية تُقيم وزناً للحليف الأميركي فلا تخرج عن “الخط”، وفي ذلك يتماهى مع شخصيات عديدة في تاريخ الكيان، بينها أرييل شارون الذي قال إنه لو عاد به الزمن لقرر أن لا يختلف لحظة مع الأميركيين!
تم نسخ الرابط