وكان ... لقاء.. بقلم الاستاذة هيام فرج
تاريخ النشر : 15-12-2022 12
دخل الى الغرفة فرآها جالسة وراء مكتبها تبحلق في شاشة الكمبيوترأمامها من وراء نظارتها الطبية , منكبة تنجز بعض الاعمال , غير عابئة بالضجيج من حولها , اقترب منها, فانعكس ظله على طاولتها , رفعت رأسها , وتفاجأت برؤيته , رفعت نظارتها بيدها وسألته بصوت مرتجف: - نعم , كيف أستطيع أن أخدمك ؟ ابتسم لها ابتسامة رقيقة , مد يده يصافحها: - كيف حالكِ ؟ لقد مر زمن طويل , أكثر من عشرين سنة , وما زلت جميلة كما كنتِ ؟
مدت يدها تلاقي يده , سألت نفسها : - ما الذي أتى به الي بعد كل هذه السنين ؟ أن يطل فجأة من جوف النسيان , ومن خلف أسوار الماضي ,يقلب في دفتر ذاكرتي ,يبحث في اوراقي المطوية , ويعيد مشاهد الألم . كان زمن جميل عندما كانت القلوب خضراء . لكن الجميع كان أقوى منها .والآن أن يعود هكذا ؟ فجأة ؟ دون انذار؟
أرجعت نظارتها فوق أنفها مرتبكة , تطلعت اليه تتصنع قوة زائفة , وهي الممتلئة به رغم الغياب ,فاذا به لايزال ينظر اليها مبتسما " . – هل أستطيع أن أعرف ماذا تريد ؟ فكما ترى هذا مكان للعمل .قالت بصوت متحجرج ,مرتجف.
أخبرها أنه يريد استخراج بعض الاوراق الرسمية. استأذنته وطلبت من زميلتها الاهتمام بما يطلب .
خرجت من الغرفة على عجل تنشد بعض الوحدة علها تلتقط أنفاسها وتلملم شتات نفسها . نظرت الى وجهها في المرآة تسألها ان تغيرت ... هل خطت السنون آثارا في وجهها ؟ هل ما زالت جميلة حقا"؟ لا , لا , أنا لم أتغير وما زلت جميلة , فأنا لم أتزوج , ولم أنجب , ولم يتعب جسدي في بناء عائلة , مرتاحة ماديا" , وحياتي هادئة , أكدت لنفسها . لكن , لماذا خانتني ثقتي بنفسي هكذا ؟ ...لا بد أنها المفاجأة .
استجمعت قواها ,أخذت نفسا" عميقا" , ورسمت ابتسامة على وجهها , تريد أن تراه , أن تواجهه ,أن تتأمله ,هل فكر بي مرة"؟ أو أنا وحدي كنت أشعرأنه كلما طال الفراق أ ردت أن أتوحد به؟ هل حلم مثلي ولو لمرة أننا لملمنا أشلاء حكايتنا الممزقة ؟ هل ...؟ وهل...؟. رجعت بلهفة المشتاق تريد أن تعرف عن أخباره وأحواله .كانت تسمع عنه بين فترة وأخرى , تزوج أجنبية في الغربة وانفصل عنها بعد بضع سنوات , يقولون أنه أصبح من رجال الأعمال , جاء الى البلد في زيارة سريعة ..... أخبار متقطعة لا هي مؤكدة ولا هي شائعات .... أخبار ضبابية ....مجرد أخبار...
عادت الى الغرفة , تفتش عنه , تنظر في زواياها , فلم تره . زملاؤها يتركون مكاتبهم لاستراحة الغداء أومأت الى زميلتها تسأل عنه , أخبرتها أنه رحل .
تهاوت على الكرسي في ذهول ممزوج بالأسى .وبدت لها الغرفة الفارغة وكأنها كهف مظلم كئيب . أيعقل أن يحصل ذلك مرتين؟ أن تخسره مرتين ؟ أيعقل أن يكون اللقاء بعد هذا الفراق وهذه السنين قصيرا" , فاترا" , مبتورا"؟ وما لهذه الوحدة تجثم فوق صدرها وكأنها تشبه الموت ؟

كان يجلس في سيارته يسترجع ذلك الاحساس الذي رافقه لعشرين عام كلما كان يقطع الجسر المعلق -الذي يصله بالحي الذي يقطن فيه في غربته- بعد العمل, وقرص الشمس الاحمر يغرق معلنا استسلامه للغسق , كما يستسلم قلبه لذكرى جميلة تلاحق مخيلته , فتجده مرتجف القلب , شفتاه ترتعشان كأنها تصلي أو تسبح وإسم يتردد في قلبه وعقله كأنشودة ربيع أو كدعاء : سارة ...سارة...سارة ...
ما زالت في ذلك الكرسي حيث تهاوت , رأسها بين يديها . تدحرج الدمع من مقلتيها يشبه ذلك الدمع المرالذي كانت تذرفه كل ليلة منذ عشرين سنة, تسقي به وسادتها آخر الليل . شعرت بيدٍ حانية فوق كتفها , رفعت رأسها لتواجه ماضيها وأحلامها .... فاذا بوجه الغد الجميل ...يبتسم لها.

   

اخر الاخبار