كلمات موجزة بحق عالم متنور (الشيخ سعد الله خليل) يستحق الكثير الكثير..بقلم د. مهدي عقيل
تاريخ النشر : 09-02-2023 12
لم يُغيّب الموت قبل يومين عالماً أو فقيهاً بأمور دينه وحسب، ولم يُثلم في الدين ثُلمة لا يسدها شيء، إنما بفقدان العلامة الشيخ سعد الله خليل ثُلم الدين والكثير من العلوم الإنسانية (علم الاجتماع، علم النفس، علم الأسرة وعلم الحياة الزوجية وغيرها).
لم يكتفِ الشيخ سعد الله خليل بعلمه الحوزوي وحسب، إنما غاص في دراسة العلوم الإنسانية، وأبى إلا أن يتخرج من الجامعة اللبنانية حائزاً على إجازة في علم النفس، ويترك بصمات منيرة بين أقرانه من الطلاب وأساتذته الذين غالباً ما كانوا يتحلقون حوله بغية الاستفادة من قراءاته ودراساته في علم النفس المدموج بمفهوم الإسلام لهذه العلوم. وبالمناسبة للشيخ الفقيد عدة كتب في هذا المجال.
نجح الشيخ سعد الله في معالجة مئات الحالات والمشاكل الاجتماعية في الجنوب وبيروت، ولم تمنعه جبته وعمامته من مجالسة أيّ من الناس في سبيل حلّ مسألة اجتماعية هنا وخلاف هناك. وعرف كيف يمزج مما تعلمه في الجامعة والحوزة معاً، دون أن يُحيد قيد أنملة عن الأسس الدينية. كان براغماتياً لأقصى الحدود، ولا يمتنع عن الإجابة عن أي سؤال، بكل تواضع وورع والابتسامة لا تفارق شفتيه.
ربما ان تكون شهادتي مجروحة فيه، كوني على علاقة معه منذ أزيد من ربع قرن، كان أخاً وصديقاً وزميلاً في الجامعة مع فارق الاختصاص. كان موضع سري ومحط استشارتي في مختلف القضايا. وبطبيعة الحال، هذا الأمر لم يتوقف على شخصي، ربما كل عارفيه كانوا أشبه بحالتي.
ليس من السهل أن تحظى برجل دين مثيلاً للشيخ سعد الله، كان الأمين والمؤتمن على الأسرار والوصايا والكثير من الأموال المنقولة وغير المنقولة. لا يمكنك أن تتعرف عليه دون أن تنسج علاقة صداقة معه.
يخاطب الصغير والكبير، الشيوخ والرجال والنساء والشباب والأطفال، متسلحاً بخلق ولطف نادرين، وتفهم لكل الحالات مهما كانت غريبة عن المألوف، وما يزيدك غرابة حين تجد قلبك وعقلك أسيرا مجالسه. وموضوع أن تفتح له قلبك مسألة دقائق معدودة حين تقابله ولو لأول مرة.
خسارتنا للشيخ سعد الله لا تعوّض، خسرته عدلون حيث ترعرع ونما بين بساتينها، خسرته المساكن الشعبية في صور التي قطنها بضع سنوات ودخل إلى كل بيوتها الفقيرة مرشداً وناصحاً، وخسرته الانصارية حيث استقر أخيراً بين أهلها الذين أحبهم وأحبوه. خسرته بيروت حينما كان كادراً فاعلاً في حزb ال ل ه ومكتبه في مقر الأمانة العامة لصيقاً لمكتب للسيد حسن ن ص ر الله في ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يتولى الأخير الأمانة العامة للحزb.
وأخيراً وليس آخراً، كون قصتنا مع الشيخ لن تطوى مع وفاته، خسرته بلدته راميا والجوار، والتي قضى فيها آخر لحظات حياته التي ختمها بمحاضرة دينية اجتماعية بين أبناء بلدته على جاري عادته من كل أسبوع.
وداعاً مولانا، وداعاً أيها الصديق الصدوق، وداعاً يا أنيس الروح.. وإلى لقاءٍ لا مناص منه.. آت لو بعد حين...

   

اخر الاخبار