الخميس 12 كانون الأول 2024 الموافق 11 جمادى الثانية 1446
آخر الأخبار

العلاقات الاميركية الإسرائيلية.. تغلي على نار على الملفات الخلافية.. بقلم د. مهدي عقيل

ياصور
ليست العلاقة بين إدارة الرئيس الديموقراطي جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتيناهو بخير. بالطبع، هي ليست أول أزمة بين الجانبين، ولن تكون الأخيرة، لكن ثمة "قضايا عميقة" لم يعد من السهل التعامل معها بمنطق الهروب إلى الأمام. كيف إنعكس ذلك في الصحافة العبرية؟

كثيرة هي الملفات التي أثيرت إسرائيلياً بوجه الولايات المتحدة، في أقل من نصف سنة، سواء قبل انتخاب بنيامين نتنياهو أو بعد تبوئه رئاسة الحكومة الإسرائيلية الأخيرة. ففي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى التهدئة في الشرق الأوسط، ليتسنى لها التفرغ للحرب الأوكرانية التي تحمل في طياتها إرهاصات تغيير جديّة في طبيعة النظام العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تتوغل الدولة العبرية في “أجندة” تذهب بها نحو أقصى اليمين الديني الصهيوني.. والأمثلة كثيرة:

أولها، تصويت الكنيست على إلغاء “قانون فك الارتباط” الذي أُقر عام 2005، والذي يحظر على اليهود السكن في مناطق شمال السامرة (الاسم التوراتي لشمال الضفة الغربية)، وبذلك شرّعت إسرائيل بناء مستوطنات جديدة، وقطعت على واشنطن إمكانية الاضطلاع بأي وساطة لتحريك ملف السلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على قاعدة حل الدولتين.

ثانيها، مباشرة الكنيست في إقرار مشروع قانون التعديلات القضائية، المعروف بـ”قانون التغلب”، والذي من شأنه تحرير الحكومة والكنيست من الرقابة القضائية. شكّل هذا المشروع في نظر الإدارة الأميركية مساً بما تسميها “القيم الديموقراطية” وجعل إسرائيل “دولة تسلطية”. و”تعليق التشريع (بالقانون المذكور) الذي أعلنه رئيس الحكومة نتنياهو هو خطوة جيدة، ولكن يجب الاعتراف بأنها جاءت متأخرة جداً، والأضرار تراكمت بمرور كل يوم، ولا يجب إلغاء إمكانية أن تكون هذه الخطوة هي السبب وراء الضرر الذي لحِق بالعلاقات مع الولايات المتحدة”، حسب ما جاء في مقال تامير هايمن موقع N12)) مدير معهد أبحاث الأمن القومي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً (أمان).

ويرى طال ليف رام في “معاريف” أن مسألة الإصلاح القضائي والاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل، “كل هذه تبعث في الإدارة في واشنطن تخوفاً حقيقياً على استقرار النظام الديموقراطي في إسرائيل”. وما زاد الطين بلة، إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت من منصبه، وهو المعروف بقربه من الإدارة الأميركية، والذي يوصف بالعقلانية والحكمة في إدارة الأمور، نتيجة اعتراضه على “قانون التغلب”، في ذروة الأزمة القومية الحادة، حيث التهديدات الخارجية تتعاظم بسبب الانقسام الداخلي. وتشكل هذه الإقالة (لم توضع موضع التنفيذ)، بنظر طال ليف رام، “ذروة في التوتر الذي أدى إلى الأقوال القاسية للرئيس (جو) بايدن ضد الحكومة ورئيسها”.

بايدن قال للإسرائيليين الحقيقة كاملة في وجوههم. حسب قوله هو قلق جداً من المسار الذي تسير فيه الدولة العبرية، “وهو يأمل في أن يترك رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، هذا المسار”، على حد تعبير عاموس هرئيل في مقال له في “هآرتس“. ويضيف الكاتب، أنه طالما يتبع نتنياهو هذه السياسة لن توجه له دعوة لزيارة البيت الأبيض “في القريب”.

ثالثها، بعد فشل تمرير “قانون التغلب” في الكنيست، استعاض عنه إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، ضمن صفقة مع نتنياهو مقابل عدم فرط الائتلاف الحكومي، بانشاء “حرس وطني” يتبع لمكتبه، يضم مستوطنين متطرفين وآخرين يعيشون ظروفًا صعبة، الى جانب جنود تقاعدوا أو خرجوا لسبب أو لآخر من الجيش. وهذا ما وضع إدارة بايدن في وضع حرج أكثر. ويعلق السياسي اليهودي السابق، يوسي بيلين، على ذلك، بأن بايدن “يفقد صوابه من استعداد نتنياهو إيداع ميليشيا خاصة في أيدي ايتمار بن غفير”، معتبراً أن “إخضاع الحرس الوطني لشخص عديم المسؤولية يرى فيه بايدن مجانبة للصواب، وتعبيراً قاطعاً عن أن نتنياهو مستعد لاتخاذ أي قرار، مهما كان سخيفاً كي يبقي ائتلافه على حاله”.

ويحذر يحزقيل درور في “هآرتس“، من مغبة السياسة التي يتبعها نتنياهو، ويعتبر “أن تخريب العلاقة مع الولايات المتحدة يعتبر خطراً وجودياً”. يضيف “لا يوجد مكان للأوهام. إسرائيل هي ذات سيادة رسمياً، لكن وجودياً تعتمد على المساعدات السياسية والأمنية الأميركية. لذلك، لا يوجد أي خيار إلا أن نرى في الرد المتحدي لبنيامين نتنياهو، على الرئيس الأميركي جو بايدن، أن إسرائيل هي “مستقلة”، نوعا من الخطر الوجودي الحقيقي”.

ويذهب طال ليف رام في تفنيده لتداعيات خطوة بن غفير الميليشياوية إلى أبعد من مدى تعكيرها العلاقة مع أميركا، ويشير إلى أن منظمات مثل حزب الله “باتت تتجرأ وتتسبب بارتفاع مستوى التوتر. إذا ما استمر التوتر مع الولايات المتحدة، فمن شأن هذا أن يكون له تأثير في هذا المجال أيضا”.

“نتنياهو الزعيم غير العقلاني الأول لإسرائيل”، حسب وصف توماس فريدمان، أحد أبرز كتاب الأعمدة في “نيويورك تايمز“، والذي يحذر من أن “نشاطاته تعرض المصالح الأميركية للخطر”. يبدو نتنياهو غير آبه بما تكتبه الصحافة الإسرائيلية والأميركية على السواء، حتى التقدير الاستراتيجي الذي قدمه مركز أبحاث الأمن القومي قبل عدة أسابيع، لم يعره الاهتمام المطلوب. والذي يعتبر أن تهديد مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة هو التهديد الأكبر لأمن إسرائيل القومي.

ويشير الباحث والمحاضر ومدير “التحالف الإسرائيلي ـ الديموقراطي” روتام أورغ في مقالة له نشرها موقع “يديعوت أحرونوت” إلى أنه يتعين على المنظومة السياسية الإسرائيلية الدخول في عمق ما يجري على صعيد العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، كما يتعين على لجنة الخارجية والأمن في الكنيست “إجراء نقاش علني في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية وتداعيات الخلافات بينهما”. وبعد أن يصف ما يجري بأنه “إعصار سياسي”، يُحدد القضايا العميقة التي تحتاج إلى نقاش على الشكل الآتي:

استراتيجياً؛ لم تعد الولايات المتحدة مهتمة بالشرق الأوسط كما كانت في الماضي. وأصبحت لها مصالح في أماكن أُخرى من العالم، وفي مقدمتها آسيا.

أيديولوجياً، يتسم خطاب جمهور الشباب في الحزب الديموقراطي بالكثير من الشكوك حيال الحروب. بالمقابل، ارتفعت في إسرائيل أهمية الأمن، وفي أميركا ارتفعت أهمية السلام. إلغاء قانون الانفصال (الذي انتقدته الولايات المتحدة بشدة) وتصريحات، مثل يجب “محو حوارة”، يُستخدمان كدليل على هذه الحجة في نظر الكثيرين من الديموقراطيين.

ديموغرافياً؛ زعماء مثل بايدن يتذكرون إسرائيل الصغيرة المحاطة بالأعداء، وما زالوا يرون فيها دولة مستضعفة، ومساعدتها هي خطوة أخلاقية. لكن السنوات فعلت فعلها، والجيل الجديد من الزعماء في الولايات المتحدة يعتبر إسرائيل قوة إقليمية عظمى، وديموقراطية ليبرالية مع جيش قوي واقتصاد مزدهر ومجتمع ينبض بالحياة، وأيضاً دولة يجب مطالبتها باحترام المعايير العالمية لحقوق الإنسان. ومَن يعرف الديموغرافيا، يجب ألّا يُفاجأ باستطلاع معهد غالوب الذي أظهر، للمرة الأولى في التاريخ، أن الديموقراطيين يميلون إلى تأييد الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين. (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، صحيفة “الأيام” الفلسطينية، صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية).
تم نسخ الرابط