الفوائد الروحية والتربوية للصوم.. بقلم فضيلة الشيخ جمال بري
طبيعة التشريع الإسلامي وحكمته انه لا يدعو لعمل إلا اذا كان فيه مصلحةْ عائدة علينا، ولا يحذِّر من شيء أو يمنعه إلا لمضرة لاحقة بنا.
وها نحن في شهر الصوم, شهرِ رمضان المبارك , الذي يغمر المسلمين في أرجاء العالم الإسلامي. وهو مدرسة تربوية, تزرع في النفوس القيم السامية والأخلاق الكريمة .
ومصالحُ الصيّام وفوائده وبركاته كثيرةٌ وعظيمة , يمكن للمسلم أن يغتنمها من خلال امتثاله مخلصا لهذه الفريضة المقدسة.
واول فائدة عظيمة يحقّقها المسلم الصائم من خلال صيامه متقربا , هي تحصيل ملكة تقوى الله - تعالى- ورضوانه، من خلال اتباع كلّ ما أمر به ، واجتنابه عن كلّ ما نهى جل وعلا.
فتتربى نفس المؤمن على الاستقامة في شهر رمضان، ويتدرب على هذه الخصلة الكريمة بعد رمضان، ويواضب عليها في حياته كلها، وأحواله جميعِها، حتى يكون – في حياته الخاصة – إنسانا كاملا، وفي المجتمع الإنساني عضوا نافعا.
ثانيا - تزداد وتتقوّى محبّة الله -تعالى- في نفس المؤمن؛ لأنّ المؤمن يرى ما أعدّ الله - له في شهر رمضان؛ من أجرٍ ومغفرةٍ، وعطايا وهباتٍ عظيمة.
ثالثا - يعوّد المسلم بأن يحافظ على نيّته ويجدّدها، ويحرص على أن تكون خالصةً لوجهه الله تعالى، في جميع مناحي الحياة.
رابعا: للصيام دور كبير في تعزيز الصلة بين العبد والقرآن الكريم، من خلال استحضار الإنسان أنّ القرآن الكريم أنزله الله -تعالى- في شهر رمضان المبارك، وفي رمضان يُكثر من تلاوة القرآن الكريم، وتدبّر معانيه، ويعيش مع القصص التي وردت فيه فيعتبر ويستنير بنوره وهداه .
خامسا : يؤدي المسلم تطوعا عبادة قيام الليل، في هذا الشهر الفضيل والتي تحمل في طيّاتها أجر عباداتٍ كثيرةٍ؛ كقراءة القرآن الكريم، وفي ذلك الوقت يُستجاب دعاء المؤمن، وصلاة الليل هي نورٌ للعبد يوم القيامة.
سادسا : يزيد من إقبال المسلم على أداء الاعمال الصالحة، حيث إنّ أجرها يُضاعف في هذا الشهر الفضيل , ويجعل المسلم يتحلّى بالصبر على أداء الطاعات، والصبر على عدم ارتكاب المعاصي.
سابعا : يعوّد الصوم المسلم على الإكثار من الدّعاء؛ خصوصا في الاسحار وفي ليالي القدر, ودعوات الصائم لا يردّها الله تعالى, فهو يجيب دعوة الداعي اذا دعاه , و يغفر ذنوب عباده الصائمين، ويدخلهم جنّات النعيم بلطفه وعطفه ورحمته.
ثامنا : يروّض المؤمن على خصلة الشكر, فإن في الصوم شكرا للمنعم الأعظم على نعمة الصحة كما يشير لذلك الحديث الشريف (لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم).
تاسعا: يربي الصوم المسلم على حفظ لسانه عن اللغو، والكلام الفاحش السيّء، وتجنّب المجالس التي تبثّ في داخلها الأخلاق السيئة والغيبة والنميمة , ويعوّد لسانه على النطق بالخير، والصدق من القول.
عاشرا : يحرص الصائم اشد الحرص على أن يقوّي نفسه ويضبطَها، ولا يجعل همته تفتر بمجرّد انقطاعه عن الطعام والشراب، كما يحرص دائما أن يبقى قويّاً هادئاً في تعامله مع الناس، متحلّياً بالصبر، والأناة، والحِلم.
- واخيرا يربي الصوم المسلم على أن يبدأ حياةً جديدةً مع الله تعالى، بالتوبة والتقوى، ومع والديه بطاعتهم وبرّهم، ومع زوجه واولاده بتحسين خُلقه معهم , ومع أقاربه بالإحسان إليهم، ومع المجتمع الذي يعيش فيه بتقديم الخير والمعونة لمن يحتاج , وتعاهد اليتيم والجار, واعطاء الصدقات, والعفو عن الاساءة , ومجازاة الاحسان بالاحسان , وإعمال فضيلة الصلح ونبذ الخصومة, واصلاح ذات البين في هذا الشهر الفضيل.
هذه كانت بعض الفوائد التربوية التي يتربى عليها المسلم في هذا الشهر العظيم, ونسأل الله سبحانه ان نكون فيه من الطائعين المنيبين, والمستفيدين من مدرسته التربوية العظيمة, إنه سميع مجيب.