الأربعاء 15 أيار 2024 الموافق 07 ذو القعدة 1445
آخر الأخبار

'الأونروا' في غرفة الإنعاش.. لا دفن ولا إنقاذ

ياصور
"شرعت اللجنة الاستشارية للأونروا في اجتماعها ببيروت الذي يمتد على مدى يومين (20 و21 حزيران)، بعد عام واحد على اجتماعها في المكان نفسه. خلال عام، أزمات استفحلت، وهواجس تركت مطرحها لهواجس أخرى. فلم يعد الحديث قائماً حول إحالة مهام الأونروا إلى مؤسسات أخرى، بل تركّز الجهد حول توسيع شراكات الأونروا. لكن خطراً آخر لا يقل خطورة صار ماثلاً، مع تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) "على وشك الانهيار المالي".

13 مليوناً بدل 300 مليون
تحذير لا يمكن حصره بهدف جمع أموال للوكالة المنكوبة، بل إن الواقع المالي يعكس جدية التحذير. ومن المنتظر أن تنتقل رئاسة اللجنة الاستشارية من لبنان إلى الولايات المتحدة، بعد عامين من شغل رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الدكتور باسل الحسن هذا الموقع.

كلمة المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني باجتماع اللجنة الاستشارية عكست واقع الوكالة الأممية التي تدير خدمات حوالى ستة ملايين لاجئ في مناطق الأونروا الخمس: لبنان، الضفة، غزة، سوريا (ما عدا المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة)، والأردن. فحذّر من أن الوكالة قد تتوقف عن العمل في شهر أيلول المقبل إذا لم تحصل على موارد إضافية من الدول الأعضاء.

وشرح بعضاً من الأزمة المالية، فقال إنه في مؤتمر إعلان التبرعات في نيويورك في وقت سابق من هذا الشهر "كنا نسعى لتغطية متطلباتنا الأساسية والطارئة الأكثر إلحاحًا والتي تبلغ حوالى 300 مليون دولار أميركي لهذا العام، تلقينا 13 مليون دولار فقط كتمويل إضافي".

يأس لا يوصف
وتحدّث لازاريني عن سوريا و"الوضع الكئيب على الأرض"، لكن فاته أن يذكر أنه ولشدة سوء وضع اللاجئين الفلسطينيين هناك، والخشية من لجوئهم إلى لبنان، أصدرت الأونروا قراراً عام 2018 ينص على أن من يأتي بعد هذا التاريخ لن يحصل على خدمات الأونروا. ورغم ذلك أتى ما يزيد عن عشرة آلاف لاجئ، مما ترك آثاراً كارثية، فقد استُغل هؤلاء ضمن ظروف عمل قاهرة، أشبه بالسخرة، إضافة إلى القلق الدائم من الاعتقال. كما أن بعض الجمعيات الخيرية التي زارت مخيمات اللاجئين في سوريا تحدثت عن سوء تغذية ظاهر على وجوه الكثير من سكان تلك المخيمات.

وقد كان مدير شؤون الأونروا في سوريا أمانيا مايكل إيبيي واضحاً قبل أيام حين قال "قبل النزاع، كان 6% فقط من لاجئي فلسطين من بين الأشخاص الأشد عرضة للمخاطر في سوريا. بينما اليوم، يعيش أربعة من كل خمسة لاجئين من فلسطين في سوريا في حالة فقر".

وتطرق لازاريني إلى واقع الفلسطينيين في مخيم جرش بالأردن، حيث يشتري 90 بالمئة من الناس الطعام بالدين. وعن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قال "يأس لاجئي فلسطين لا يوصف، هناك مثال معبّر من عملياتنا يعكس حالة اليأس بشكل جيد: في الشهر الماضي، فتحت الأونروا 13 وظيفة شاغرة لعمال الصرف الصحي. تلقينا ما لا يقل عن 37000 طلب، بما في ذلك من اللاجئين الحاصلين على شهادات جامعية".

تحديات عديدة وربما غير مسبوقة تواجهها الأونروا، إضافة إلى الأزمة المالية، وإبلاغ دول عديدة للوكالة بأنها ستخفّض مساهماتها المالية، فهناك بعض أزمات اللاجئين التي تحدث عنها لازاريني مثل أزمتهم في سوريا، لكن من دون أن يتطرق إلى الكثير من تفاصيلها المهمة. فمثلاً في الجزء الشمالي السوري التابع للمعارضة، تسكن حوالى 1480 عائلة فلسطينية، أكثرها ضمن مخيمات مستجدّة، لكن الأونروا لا تعتبر تلك المنطقة من ضمن عملياتها، حتى لا تصطدم بالنظام، مما خلق واقعاً متشعب الأزمات ما بين اقتصادية وتعليمية وحتى ثقافية وأمنية، إذ بغياب التعليم طيلة سنوات، تبنى بعض الشباب الفلسطيني هناك الفكر المتطرف، وإن لم تشكل هذه الفئة حتى اليوم الغلبة بين الجمهور الفلسطيني هناك. وأيضاً هناك إضراب موظفي الأونروا في الضفة والذي استمر 120 يوماً، وجرى تعليقه قبل أربعة أيام من انطلاق أعمال اجتماع اللجنة الاستشارية، لمدة ثلاثة اشهر، مقابل تعهدات، لكن ليس هناك اتفاق حتى الآن. وأثّر هذا الإضراب على أكثر من 800 ألف لاجئ في الضفة، تتولى الأونروا رعاية شؤونهم الصحية والتعليمية وغيرها.

فلسطينيو لبنان
أما في لبنان، فالتحدي أكبر في بلد يقول لازاريني إن مستويات الفقر في أوساط مجتمع لاجئي فلسطين فيه تبلغ 80 بالمئة. فإعادة إعمار مخيم نهر البارد شبه متوقفة نتيجة غياب الاعتمادات المالية اللازمة. كما أن انهيار العملية التعليمية الحاصل في مدارس الأونروا يشكّل تحدياً، رغم الوعود بتصحيح مسارها. لا ينكر اللاجئون نشاط وفعالية المديرة الجديدة لمكتب الأونروا في لبنان الألمانية دورثي كلاوس منذ تسلّمت مهامها في شباط، وقد استطاعت تحقيق اختراقات في عدد من الملفات، أبرزها الملف التعليمي، وهي بالأصل لها دراسات أنثروبولوجية حول اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لكن الأزمات التي يعاني منها هؤلاء تستدعي أكثر من مبادرات، بل انتفاضة في العمل الإداري للوكالة، تتجاوز الشراكات التي تقوم بها دورثي. على رغم من أن هذه الشراكات يعتبرها مدير عام الهيئة 302 علي هويدي ضرورية، وإن كانت لا تشكل بديلاً عن الإصلاح الشامل "والمطلوب تعميقها، خاصة وأن الواقع تجاوز الحديث الخطير الذي كان دائراً قبل عام، حول إحالة مهام الأونروا إلى مؤسسات دولية أخرى، وهذه نقطة مهمة يجب الالتفات إليها".

نعم، ظهرت مؤشرات توحي بأن المجتمع الدولي لا يريد موت الأونروا كما ظهر بعهد الرئيس الأميركي السابق رونالد ترامب، بل إنه في عهد بايدن تبرعت الولايات المتحدة بحوالى مليار دولار لوكالة الأونروا، لكن ذلك كان على حساب الحريات السياسية والمدنية للموظفين، حيث جرى فصل عدد منهم بسبب آراء سياسية، كما جرى التدخل في المناهج التعليمية الخاصة بالأونروا.

هناك تحولات جرت منذ العام الماضي، حينها قال المفوض العام فيليب لازاريني "إذا كان هناك من شخص آخر سيتولى دورنا فعلى المرء أن يسأل عمن سيفعل ذلك"، لكن اليوم لا أحد يتحدث تلك اللغة، بل إن المجتمعين ضمن اللجنة الاستشارية (28 دولة وثلاثة أعضاء مراقبين؛ دولة فلسطين والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية)، يؤكدون على ضرورة استمرارها، لكن ليس هناك عمل جدّي لإخراج الأونروا من غرفة الإنعاش، فلم يتقرر بعد دفنها، ولا إنقاذها تماماً، ليبقى تنفسها صعباً، وأحياناً اصطناعياً. فحتى يحين القرار، ستظل الأونروا واللاجئون في صراع مع الأزمات.
تم نسخ الرابط