الإثنين 02 كانون الأول 2024 الموافق 01 جمادى الثانية 1446
عاجل
آخر الأخبار

مبادرة بري للحوار..'بين الفرصة الأخيرة للإنقاذ و إطلاق رصاصة الرحمة على الاستحقاق الرئاسي '.! بقلم وفاء بيضون

ياصور
كتبت : وفاء بيضون

ثمة إشارة يمكن التقاطها من خلال دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه برّي إلى حوار محدد بسبعة أيام تليه جلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، دعوة لا يمكن وضعها أو وصفها أنها وليدة الصدفة، ولا هي رغبة رئيس السلطة التشريعية بإجراء استعراض سياسي لكسب الوقت من جهة أو تسجيل نقاط في مرمى خصومه السياسيين من جهة ثانية .

من يستحضر تاريخ حقبة توليه رئاسة البرلمان اللبناني يدرك أن الرجل له باع في تدوير الزوايا وتقريب المسافات بين القوى السياسية بحنكة محام تأستذ في فن حياكة المخارج لأكثر من أزمة وملف شكل عقدة حل في لبنان .

الرئيس بري لم ينفك أبدًا عن الدعوة إلى وفاق وطني، عبر الحوار، من أجل حل الأزمات التي تعصف بلبنان. ولا يمكن حصر محطاته الحوارية بطاولة جمع عليها قيادات البلد عام 2006، وما بعده، ولا بلقاءات ثنائية عقدها في عين التينة لوأد الفتنة السنية-الشيعية التي أطلت مشاريعها في السنوات الماضية، بل يمكن الاستناد إلى خطاب بري القائم مضمونه أساسًا على الدعوة إلى الحوار والتقارب والوفاق، على مستويين :" داخلي وإقليمي " .

في الجانب الإقليمي لا شك أن رئيس مجلس النواب يعرف كيف يلتقط الإشارة ويوظفها في اللحظة المناسبة لتأتي دعوته للحوار بعد ساعات من لقائه بوزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان القادم من لقاء إيراني - سعودي استمر ساعة ونصف مع ولي العهد محمد بن سلمان .

صحيح أن عبد اللهيان لا ينفك بالحديث عن الاستحقاق بوصفه ملفًا لبنانيًا لا يجوز لأحد التدخل به، إلا أن بعض المعلومات من مصادر مواكبة لهذه الزيارة تؤكد أن جرعة التفاؤل لدى بري بدعوته للحوار استندت على معطيات حملها ضيفه الإيراني ليؤسس بري عليها دعوته بشكلها ومضمونها رغم أن كثيرين فصلوا جلسة عين التينة عن حوار طهران - الرياض . إلا أن من يتفحص مسار اللقاءات والترتيب المسبق لها يستشعر أن ما يعلن هو مجاف تمامًا للوقائع التي تتكتم عليها مصادر الطرفين، وإن أتت جرعة الفرملة الفرنسية التي يتحضر مبعوثها لزيارة لبنان أواسط الشهر الحالي بمثابة الرصاص الخفي من خلال اتهام باريس لطهران بالتدخل في الملف الدستوري للبنان ، هذا من ناحية . أما من الناحية الداخلية فالغريب أنّ القوى التي تعارض طرح رئيس المجلس، أو التي عبرت عن رفض دعوته للحوار هي نفسها التي كانت تنتقد ابتعاد بري عن لعب دوره كوسيط بين القوى السياسية .

فما هي بدائل هؤلاء؟
هناك من يرى في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بأنها الحل، لا الحوار بعد مسار تجربة استوفت ١٢ جلسة انتخاب، دون نتيجة لتشكل جلسة ١٤ حزيران الماضي المقياس، فلم تستطع التكتلات أن تفرض رئيسًا، وهي تعرف الآن أن عقد جلسات إضافية من دون اتفاق يكسر حدّة اصطفافين لن يثمر انتخابًا لرئيس الجمهورية.
اذاً، على ماذا يراهن بري من توافق يصنعه الحوار؟.

تنطلق أهمية دعوة الرئيس بري إنها محدّدة زمانياً بأسبوع حواري، يليه جلسات متتالية للمجلس النيابي لانتخاب الرئيس.

عملياً نجح رئيس المجلس مرة جديدة بضربة أستاذ، عبر طرح وطني يحشر كل الكتل النيابية وخلفها القوى السياسية : "هل تريدون انتخاب رئيس"؟ تفضلوا لحوار غير مفتوح تتبعه جلسات مفتوحة حتى تحقيق الهدف بانتخاب رئيس للجمهورية.

من هنا نرى أن الرفض السياسي لدعوة بري، يمكن تصنيفه في خانة مشاكسة التلاقي الوطني، وبالتالي منع إيجاد أرضية لحل الازمات بدءاً من عملية انتخاب رئيس الجمهورية حيث لم يعد مقبولًا اعتماد سياسات الرفض، التي تبدو أنها من أجل الرفض لا غير، بغياب البدائل المنتجة. وهذا يؤكد أن خطوة بري لم تأتِ من فراغ. لا بل إن كل المؤشرات المؤثرة في لبنان من الداخل والخارج، تدفع من أجل سلوك الحوار الداخلي وهذا يمكن ربطه بمؤشرات استمرار التواصل الأميركي- الإيراني، خطوة بعد خطوة، من أجل توسيع مساحات الاتفاق، وصولا إلى بت محتمل للملف النووي، مما يقلل من فرص الصدامات كذلك تدرك كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلاميّة الإيرانية أن الحوار بينهما سينتج تفاهمات متدرجة، ظهرت بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وستتكثّف المساعي التي تتوجها زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني إلى السعودية. وهذا ينسحب أيضًا على سعي الأميركيين إلى بت إشكالات ملف الحدود الجنوبية البرية مع فلسطين المحتلة ، بعد نجاحهم في ترسيم الحدود البحرية عبر تفاوض تقني غير مباشر، نفّذته واشنطن على خطي لبنان وكيان الاحتلال برعاية أممية .

إن دعوة بري استشرافية، فلا بد من حوار منتج، فانتخاب رئيس، وتنفيذ إصلاحات تعيد إدخال لبنان في دورة الاقتصاد الإقليمي والعالمي. وبدون ذلك سيكون استمرار الفراغ والشغور بمثابة رصاصة الرحمة التي تطلق على انتظام المؤسسات والبلد معها وتداعيات كل ذلك على الواقعين الاجتماعي والسياسي في لبنان .
فهل يلتقط من يهمهم الأمر لحظة الحوار المعلنة ؟ أم أنه على لبنان السلام..
تم نسخ الرابط