الأحد 05 أيار 2024 الموافق 26 شوال 1445
آخر الأخبار

أين لبنان من الكوريدورات الدولية؟ بقلم د. مهدي عقيل

ياصور
العالم كلّه في وادٍ ولبنان في وادٍ آخر، وسياسيوه لا يشغلهم أي أمر مهما كان مهمًّا واستراتيجيًّا عن مماحكاتهم ونكدهم السياسي. تمرُّ من حوله، وقبالة شواطئه في بحر المتوسط، وربما من فوقه ومن تحته، الكوريدورات الدولية، وهو آخر من يعلم.
 
في خريف 2013، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن أكبر مشروع عالمي في التاريخ للقرن الحادي والعشرين، والذي يتضمن فرعين رئيسين: البري "حزام طريق الحرير الاقتصادي"، والبحري "طريق الحرير البحري"، واستحال هذا المشروع اليوم، من مبادرة إلى منصة رئيسية لبناء مجتمع ومصير مشترك للبشرية، ولم تُستثن من هذا المشروع الضخم أية دولة من هذا العالم إلا التي آلت على نفسها الوقوف في المقلب الآخر، ولبنان من الدول التي لا تعرف حتى الآن، عمّا إذا كان عليها أن تتموضع في المقلب الآخر أو هي جزء من هذا المشروع. علماً أن حكومة سعد الدين الحريري الثانية، وقّعت في أيلول/سبتمبر 2017 على مذكرة تفاهم مع الصين لناحية التعاون بين البلدين في إطار خطة الحزام والطريق، والتركيز على المجالات ذات الاهتمام المشترك، منها النقل واللوجستيات والبنى التحتية والاستثمار والتجارة، والطاقة المتجدّدة والتبادل الثقافي بين الشعوب، والصحّة والرياضة.

والغريب في الأمر، أن هذا التوقيع لم يُغيّر بالأمر شيئًا، وقد مضى عليه ست سنوات ولم تُقدم السلطة اللبنانية على أي خطوة إلى الأمام، حيث ينغمس رجالاتها بانقسامهم إلى فريقين على جاري عادتهم، فريق متمسك بالعلاقة العضوية مع الغرب، ويرفض التوجه شرقاً، وفريق متفائل بالتوجه نحو الشرق، ويسعى لتنويع الخيارات. مع العلم أن الصين ليست مولعة كثيراً بلبنان وانضمامه إلى مشروعها، فثمة بدائل كثيرة، خصوصاً أن لبنان بلد صغير بالحجم وبعدد السكان، وبالتالي ليس مقصداً مهماً للصين التي قد ينضم إلى مشروعها أكثر من ثلاثة أرباع العالم.
 
وللإنصاف حاول وزير الأشغال العامة والنقل الدكتور علي حمية، القيام بما في وسعه لتهيئة البنية القانونية والتحتية لمرفأي بيروت وطرابلس ليكونا جاهزين بحدود معينة كجزء من الكوريدورات الدولية. هذا إذا سعت الحكومات اللبنانية اللاحقة للالتحاق بشكل أو بآخر بـ"الحزام والطريق" الصيني أو بالممر الهندي الذي أطلق عليه IMEC، وهو اختصار للتسمية الكاملة "ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا الاقتصادي".
 
استفاق العالم الأسبوع الماضي، على مشروع جديد رعته وهندسته الإدارة الأميركية في قمة دول "مجموعة العشرين" في نيودلهي، وهو عبارة عن ممر يربط الهند بأوروبا، إذ يمر في الشرق الأوسط، من الهند إلى الإمارات قاطعاً بحر العرب، ومنها إلى المملكة العربية السعودية فالأردن وصولاً إلى فلسطين المحتلة-مرفأ حيفا برًّا، ومن ثم يتابع مسيره إلى اليونان بحراً. مستثنياً بذلك كل من سوريا ولبنان وغيرهما. علماً أنه بالإمكان مروره بهذين البلدين عن طريق تغيير وجهة الممر أو عن طريق إنشاء خط فرعي موازٍ للخط الرئيسي، وسوف يكون ذلك موضوع مقالتنا اللاحقة.

ورغم الصخب والضجة التي رافقت الإعلان عن الكوريدور الهندي، لم يُثر اهتمام الدولة اللبنانية، في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة الصين، ليضمن إفادة بلاده من خطة "الحزام والطريق" من جهة، وللدفع قدماً بهذه الخطة من جهة ثانية، وهذا مطلب صيني، لمواجهة الممر الهندي المنافس الاستراتيجي لمبادرة "الحزام والطريق". وتركيا بدورها، استنكرت عدم عبور الممر الهندي في أراضيها، الذي من شأنه توفير آلاف الكيلومترات على الممر المذكور بحراً والاستعاضة عنها بالبر. وهذا ما يؤكد بأن الممر الهندي ممر اقتصادي بطعمة سياسية تنافسية بامتياز.
 
وبطبيعة الحال اللبنانية، نحن لسنا بحاجة لكل ما ذُكر، لبنان دولة مزدهرة في كل المقاييس! ولن يقدم أو يؤخر فيها ممرٌّ من هنا، أو حزام من هناك!
 
وهنا نسأل الفريق اللبناني الرافض للتوجه نحو الشرق، هل بمقدوركم إشراك لبنان بالممر الهندي أو بأي مشروع غربي يمكن أن يوصل لبنان بخريطة سلاسل التوريد العالمية ويدر مالاً على بنيه، الذين بات السواد الأعظم منهم يعيش تحت خط الفقر؟ وهل تتأملون بواشنطن بأن تنصف بلدكم يوماً ما؟ ونسأل أيضاً، الفريق المطالب بالتوجه نحو الشرق، هل فعلتم شيئاً عملياً تجاه الصين لوضع لبنان ضمن مبادرتها (الحزام والطريق)؟ وهل قدمتم لها ما تحتاجونه من مشاريع تنموية وغيرها؟ خصوصاً أيام حكومة حسان دياب، والتي عُرفت بحكومة اللون الواحد، حيث اقتصر تشكيلها على قوى 8 أذار (أنصار التوجه نحو الشرق)، نتيجة رفض قوى 14 أذار(أنصار البقاء على التوجه نحو الغرب دون غيره) المشاركة فيها آنذاك.
 
بطبيعة الأمور وسير الأحداث الجواب لدى الطرفين "لا" كبيرة. لذلك، ثمة حاجة ماسة لنلجأ نحن اللبنانيين إلى الشرق والغرب وإلى جميع أصقاع العالم إذا أمكن، علّنا نحجز مكاناً لنا، مهما كان وضيعاً، تحت الشمس، لأننا بسلوكنا هذا سوف يصح فينا قول كيسنجر عن حق بأن "لبنان فائض جغرافي.. أو خطأ تاريخي"!
تم نسخ الرابط