الأربعاء 09 تشرين الأول 2024 الموافق 06 ربيع الثاني 1446
آخر الأخبار

هل ما زالت الفرصةُ سانحةً لإشراك لبنان في الكوريدورات الدولية؟ بقلم د. مهدي عقيل

ياصور
حتى كتابة هذه السطور، لبنان خارج خارطة الكوريدورات الدولية، سواءً في مبادرة "الحزام والطريق" أو في الممر الهندي. والأمر نفسه ينسحب على "طريق التنمية".
 
فيما خص "الحزام والطريق"، لبنان فعلياً ما زال خارجها نتيجة تقصير من الحكومة اللبنانية من جهة، ونتيجة عدم تقديم الصينيين عروض جديّة من جهة ثانية. لكن فيما خص الممر الهندي، لبنان بالأصل مستبعد، والقيمون على المشروع وفي مقدمهم الولايات المتحدة، لا يقيمون وزناً للبنان ولا لحلفائهم فيه، وليسوا بوارد إخراج لبنان من أزمته كون مخططهم لهذا البلد لم ينضج بعد. وهذا ينطبق بصورة أكثر قسوة على سوريا أيضاً. خصوصاً أنه، بحكم الجغرافيا، لا يمكن إشراك لبنان بهذا الممر بمعزل عن سوريا.

والسؤال هنا؛ فيما لو استفاقت الحكومة اللبنانية من سباتها وفعّلت نشاط جهازها الدبلوماسي والسياسي واستطاعت إقناع الجهات المعنية لناحية تمرير الكوريدور الهندي عبر أراضيها، هل ثمة إمكانية لذلك؟..  وكيف؟
 
بداية، يمكن تحقيق المطلب اللبناني عن طريقين؛ إما عن طريق تغيير وجهة الممر أو عن طريق إنشاء خط فرعي موازٍ للخط الرئيسي، وذلك على الشكل الآتي:
 
تغيير وجهة الممر
 
يمكن للممر الهندي أن لا يلتف جنوباً مرتين (مرة ليصل إلى الرياض، ومرة للتوجه نحو العاصمة الأردنية عمان وصولاً إلى مرفأ حيفا)، إذ يبقى بخط مستقيم من إمارة دبي مروراً في المنطقة الشرقية السعودية ويقطع البادية الشمالية الأردنية ومن ثم جنوب سوريا وصولاً إلى مرفأ بيروت، ومن الأخير إلى اليونان (الدولة الأوروبية الأولى التي يصل إليها الممر الهندي)، أو إلى أي دولة أوروبية أخرى. وبذلك تكون المسافة أقصر برياً على الأقل، لكن القيّمون على المشروع يصرّون على إشراك إسرائيل فيه بالدرجة الأولى، ويمانعون مروره في البلدان غير المتحالفة مع واشنطن بالدرجة الثانية.
 
حتى وإن كان ثمة مصلحة للسعودية أن يعبر الممر الهندي في عاصمتها، وهو كذلك، بغية إظهار الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تحظى به الرياض على طريق التجارة بين الشرق والغرب والثقل الذي تتمتع به في محيطها الإقليمي كنقطة ارتكاز في أي مشروع واعد بين القارتين. يمكن ذلك، بحيث يمرّ في عاصمة المملكة ومن ثم يتوجّه نحو البادية الأردنية فسوريا وصولاً إلى لبنان.
 
لكن تبقى الإشكالية بالأردن التي سوف تخسر مرور هذا المشروع في عاصمتها، لكن إذا ما نظرنا من منظور عربي فأن مروره بعمان لا يضاهي، أو لا يساوي شيئاً أمام مروره في سوريا ولبنان واستبعاد إسرائيل، التي احتفل رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بهذا المشروع واعتبره انجازاً لحكومته المأزومة في الداخل والخارج على السواء، ويُمهّد لتطبيع اقتصادي مع السعودية على الأقل.
 
خط فرعي
 
يمكن أن نتجاوز إشكالية مرور الممر الهندي في عاصمتي كل من السعودية والأردن، ودون إحداث تغيير في وجهته، والتي هي في الأصل مستحيلة، كون المشروع أنشيء لإشراك إسرائيل، وذلك عبر إنشاء خط فرعي يبدأ من عمان باتجاه دمشق، ومن الأخيرة يتفرع خطّان: أحدهم بتجاه بيروت، وآخر نحو العراق، بحيث يتم ربطه ب"طريق التنمية" الواعد، الذي يمتد إلى إيران وتركيا وصولاً إلى أوروبا دون الحاجة للمرور في البحر المتوسط.
 
مع الإشارة إلى أن لبنان ليس من الدول العشر التي تشترك بمشروع "طريق التنمية" العراقي، وهي: السعودية وتركيا وسوريا والأردن والكويت والبحرين وقطر والإمارات والبحرين وإيران.
 
وفي أقل تقدير، كون ربط إيران بالممر الهندي مستبعد، بحيث يرى كثيرون أن إيران ترفض أن تشترك مع إسرائيل بأي مشروع، علماً أنه يمكن أن لا يكون هناك أي إشراك بين الطرفين، بحيث لا تتوجه منتوجات إيرانية نحو إسرائيل والعكس صحيح. لذلك، يتوقف الخط في بغداد، وبذلك يجري ربط خمس عواصم عربية (الرياض، عمان، دمشق، بيروت وبغداد) إضافة إلى إمارة دبي، ببنية تحتية هائلة، لا تتوقف عند خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع، بل تذهب إلى أبعد من ذلك في تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.

وهذا ما يفتح آفاق أكبر أمام رؤية السعودية 2030، خصوصاً لجهة مدّ أربع عواصم عربية بالهيدروجين النظيف من مدينة نيوم، حيث يقام أكبر معمل لانتاج الهيدروجين النظيف في العالم. ويتيح للإمارات أيضاً أن تمدّ تلك العواصم بالمياه العذبة من جبال الجليد التي استقدمتها من القطب الشمالي. خصوصاً أن الإمارات تحلم بأن تكون إحدى أهم الدول المصدرة للمياه العذبة في عالمٍ متجه إلى جفاف وافتقار للمياه العذبة على الأقل، لا سيما منطقة الشرق الأوسط، حيث أنه من المرجح أن يحل الماء مكان النفط من حيث الأهمية وكسلعة استراتيجية لا يستغنى عنها.
 
وبطبيعة الحال، أكثر المستفيدين من بين الدول المذكورة لبنان وسورية، اللتين يرزح أكثر من ثلاثة أرباع مواطنيهما تحت خط الفقر، عدا عن الحرب التي أحدثت دماراً هائلاً في الثانية. ويحتاج إعمارها إلى تظافر جهود إقليمية ودولية وأممية مجتمعة.
 
كل ما ذكر آنفاً من باب الافتراض ليس إلا، وبقدر ما لا نؤمن بالخارج، كذلك لا نؤمن بالداخل، في تحقيق ما أشرنا إليه. ومع الآسف، بقاء لبنان خارج خارطة سلاسل التوريد العالمية هو الأكثر ترجيحاً!
 
واختم بكلام لصديقين، أحدهم قال لي "لن نذهب إلى الشرق ولا إلى الغرب إنما ذاهبون إلى السماء!"، فيما قال الثاني "من لم يذهب إلى سوريا تتوقع منه الذهاب إلى الهند أو إلى الصين!"
تم نسخ الرابط