الأحد 05 أيار 2024 الموافق 26 شوال 1445
آخر الأخبار

أذربيجان تَطوي صفحةَ ناغورني قره باغ وتصحّح غلطةَ ستالين! بقلم د. مهدي عقيل

ياصور
بعد حربَين داميَتين (الأولى دامت سنتين 1992-1994، والثّانية دامت 44 يوماً عام 2020)، ومعارك ومناوشات عديدة بين الحروب لم تتوقّف على إقليم ناغورني قره باغ، بين أرمينيا وأذربيجان، واليوم أمست الأخيرة بصدد طيّ صفحة هذا الإقليم الّذي كلّف الطّرفين عشرات آلاف الضحايا والجرحى على مدار ثلاثة عقود.
 
قبلَ قرنٍ بالتّمامِ والكمالِ، أقدم الزّعيم السوفياتي جوزيف ستالين عام 1923 على ضمّ إقليم ناغورني قره باغ إداريًّا إلى جمهورية أرمينيا، رغم أنّه يقع بالكامل في قلب أذربيجان، إلّا أنّ السّواد الأعظم من قاطنيه أرمن. وفي المقابل، ضمّ ستالين نفسه منطقة ناختشيفان المعروفة أيضًا ب"نخجوان"، التي تقع جغرافياً في قلب أرمينيا وتسكنها أغلبية أذرية، إلى أذربيجان. وبالمناسبة، ينحدر من هذه المنطقة رئيسا أذربيجان السابق والحالي، حيدر علييف وإبنه إلهام علييف.
 
 وعليه، تأجّجَ الصّراعُ بين البلدين، الّذي له جذورٌ عرقيّة ودينيّة تعود إلى عهد الامبراطورية العثمانية التي بسطت نفوذها على منطقة القوقاز قبل عدة قرون.
 
في 19 من الجاري، باشرت أذربيجان هجومها أو حربها الثالثة على ما تبقّى من مسلّحين أرمن في قره باغ، ونعتتهم بالإرهابيين، وكانت الفرصة مُتاحة لإعادة باقي مناطق الإقليم التي لم يتسنّ لها بسط السّيطرة عليها في حرب 2020. وقُضي الأمر في أقل من 24 ساعة وسط تأييدٍ كاملٍ من تركيا، وقبول من روسيا، التي أراد رئيسها فلاديمير بوتين تدفيع رئيس أرمينيا نيكول باشينيان ثمن ميوله نحو الولايات المتحدة، لا سيما بعد تنفيذه مؤخرًا مناورة عسكريّة مشتركة (أميركية-أرمينية) قرب يريفان. حيث بدت أرمينيا بنظر بوتين وكأنّها في طريقها إلى الخروج من تحت العباءة الروسية في زمن انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية!
 
لذلك، سارت الأمور طبقًا لما يشتهي الرئيس الأذري إلهام علييف، وبات اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنته روسيا بوساطة قوّاتها لحفظ السلام في قره باغ ساري المفعول. والذي ينصّ على "انسحاب الوحدات الأرمينية العسكرية من الإقليم المتنازَع عليه إلى أرمينيا برعاية القوات الروسية، وعلى أن يتخلّى المسلّحون الأرمن عن أسلحتهم وحلّ أنفسهم بالتّوازي مع بدء مفاوضات بين باكو وممثّلين عن أرمن قره باغ في مدينة يفلاخ ".

وبالتالي، إقليم قره باغ أو ما يسمّيه الأرمن ب "أرتساخ"، بات جزءًا لا يتجزّأ من الأراضي الأذرية وسط صمت مُطبق على الحكومة الأرمينية، التي خرج رئيسها بخُفَّي حُنين، حيث ظنّ أنّ الولايات المتحدة سوف تقف إلى جانبه، وخسر بالمقابل روسيا، حليفة بلاده التاريخية، التي لا تزال تتمرّكز قاعدتان عسكريّتان لها على الأراضي الأرمينية.
 
وبطبيعة الحال، ما يجري من تغيير ديموغرافي وجيوسياسي في جنوب القوقاز ليس أمرًا مقتصرًا على طرفي النّزاع، إنّما يمتدّ تأثيره إلى قوى إقليميّة ودوليّة على السّواء. وربما إيران سوف تكون أكثر المُتضرّرين ممّا يجري إذا ما استمرّ تفوّق أذربيجان وفرض إرادتها وهيمنتها على أرمينيا، لا سّيما لناحية شقّ ممرّ زنغزور على طول الحدود الأرمينية-الإيرانية، والذي يصل إقليم نخجوان بأذربيجان. وبالحقيقة، الصّراعات التي تشهدها تلك المنطقة هي حرب ممرّات أكثر منها حرب على بقعة أرض (قره باغ) مساحتها أقل من نصف مساحة لبنان، 4800 كيلومتر مربع، وتفتقر للمواد الأوّليّة. وسوف يكون ذلك موضوع مقالتي اللّاحقة.
 
وفي كلّ الأحوال، لن تمرَّ خسارة يريفان لإقليم قره باغ دون أن يعاقب المُقصّرين، وعلى رأسهم باشينيان، من شعبه طبعًا، ذلك الإقليم الذي كلف الأرمن كثيرًا منذ انضمامه إلى أرمينيا فور انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989. فعدا عن الحروب التي قامت بسببه، فقد استدعى الصّراع على هذا الإقليم استجلاب عدد من العائلات الأرمنية القاطنة في سورية ولبنان لتوطينهم في قره باغ حتّى يكون الإقليم خالصًا للأرمن. كلّ ذلك تبخّر، ولن يبقى له أثر إلّا في الأبحاث والدّراسات وكتب التّاريخ.
 
وفي الأصل، ومنذ الخسارة الكبرى التي لحقت بأرمينيا في الحرب الثانية عام 2020، كانت كلّ التّحليلات والمعلومات والمعطيات تشير إلى أنّ باكو ذاهبة في اتجاه ضمّ هذا الإقليم إلى بلادها لتطوي صفحته هذه المرّة بصورة نهائيّة، وتصحّح غلطة ستالين، وتُقرئ على الجميع السّلام.
تم نسخ الرابط