الأحد 05 أيار 2024 الموافق 26 شوال 1445
آخر الأخبار

الضّفة الغربيّة.. ستنفجرُ قريباً! بقلم د. مهدي عقيل

ياصور
" لا شك أن ما يجري في غزة يفوق التوقّع والاحتمال، ومن الطبيعي أن يخطف كل الأضواء، لكن خلف كل هذا الغبار السميك والدماء والضجيج، هناك ساحة تحتدم وتقترب من الانفجار، الضفة الغربية، إلا أن الفرق بين الساحتين أن جيش العدو هو من يقتل ويدمر ويهجر في الأولى، بينما في الثانية يتولى هذه المهمة القذرة مع الجيش المستوطنون أنفسهم.
 
يعيش نحو ثلاثة ملايين وربع المليون من الفلسطينيين في الضفة الغربية، لا سيما في المنطقة (أ) التي تشكل أقل من 18% من مساحة الضفة البالغة 5660 كلم2، والتي كان من المفترض أن تكون هذه المنطقة تحت سلطة "رام الله" أمنياً ومدنياً، بخلاف المنطقة (ب) التي تشترك القوات الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية في إدارتها الأمنية، والمنطقة (ج) التي لا وجود للسلطة الفلسطينية فيها. وذلك وفقاً لاتفاقات أوسلو. لكن حقيقة الأمر، ومنذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وبدلاً من أن تبدأ سلطة رام الله في توسيع نطاق سلطتها، راحت تنحصر سلطتها، وربما تقتصر اليوم على مقارّها الحكومية والإدارية والأمنية وحسب.
 
ولم تترك إسرائيل فرصة لتضييق المساحة التي تشغلها السلطة إلا واستغلتها، فالجدار الذي أمر ببنائه رئيس وزرائها الأسبق أرييل شارون عام 2002، قضم مثلاً الكثير من الأراضي الفلسطينية وجزء من القدس، وقد ساهم الجدار في إحكام الحصار على الشعب الفلسطيني، كذلك بناء المستوطنات التي بلغت 151 مستوطنة حتى عام 2021، حيث تقصّد العدو ببنائها بين المدن الفلسطينية لإعاقة الاتصال فيما بينها، وعُزلت مدن وبلدات بكاملها عن محيطها الفلسطيني وهي بالأصل أراضي غير متصلة جغرافياً.

هذا عدا عن تثبيت أكثر من 700 حاجز من ضمنها 140 نقطة تفتيش وعشرات الحواجز الظرفية التي اعتمدوها عند كل مفرق وبين الأحياء السكنية، بالتزامن مع "طوفان الأقصى"، حيث تشهد الضفة أوضاعًا مضطربةً جداً ومعارك متفرقة واقتحامات لمخيمات نتج عنها حتى الساعة نحو 200 شهيد ومئات الجرحى واعتقال قرابة 1600 من الفلسطينيين.
 
والأخطر من كل ما تقدم، أن التهجير حتى كتابة هذه السطور طال 16 قرية فلسطينية بالكامل، بحيث أن المستوطنين يعتدون على الفلسطينيين ويعربدون دون حسيب أو رقيب، بل على مرأى من الجيش الذي يغضّ الطرف، وأحياناً، يشارك جنوده في أعمال الشغب.
 
وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، في افتتاحيتها ليوم الجمعة الفائت، أن "المستوطنين في الضفة الغربية يستغلون "الفرصة" التي سُنحت لهم، من خلال الحرب التي بادرت إليها "حماس"، من أجل طرد آلاف الفلسطينيين من منازلهم وأراضيهم. وهم يقومون بترهيبهم بوسائل مختلفة، وهذا كله من أجل طردهم من قراهم البعيدة عن أنظار الجميع، في هذه الأثناء، الضفة الغربية تتغير بصورة لا عودة عنها".
 
وتتابع الصحيفة "لا يوجد مَن يوقف المستوطنين، ولا مَن يفكر في الدفاع عن أمن السكان الفلسطينيين. وعلى الرغم من التحذيرات الكثيرة لقادة الجيش الإسرائيلي من عواقب عنف المستوطنين، الذي يمكن أن يؤدي إلى فتح جبهة ثانية".

وتختم "هآرتس" افتتاحيتها بأنه "يجب وقف هذه البلطجة الخطِرة. ففي الوقت الذي يقاتل الجيش في الجنوب والشمال، يشعل المستوطنون حرباً أُخرى، ولا أحد يوقفهم".
 
وتتركّز اليوم هجمات المستوطنين على منع الفلسطينيين من قطاف موسم الزيتون الذي يعتبر جزء رئيسي من مدخولهم السنوي، وذلك بتخطيط وتشجيع من وزير المالية  بتسلئيل سموتريتش وعضو الكنيست تسفي سوكوت.
 
ويرى المحلّل السياسي للصحيفة نفسها غدعون ليفي، إن "المفاجأة الثانية لن تأتي فجأة. وقد تكون أقل فتكاً من مفاجأة السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لكن ثمنها سيكون باهظاً"، ويجزم الكاتب أن "طنجرة الضغط القادمة ستنفجر في وجوهنا في الضفة التي تغلي".
 
ويضيف ليفي "إن العدو في الضفة الغربية هم المستوطنون أيضاً، الذين لا يتخذ الجيش الإسرائيلي أي إجراء ضدهم. فجنوده مشاركون ناشطون في المذابح، وفي الإساءة إلى السكان، يصورونهم، ويوجهون إليهم الإهانات، ويقتلونهم، ويعتقلونهم، ويدمرون أنصابهم التذكارية، مثل نصب ياسر عرفات في طولكرم، ويخطفون الآلاف من أسرّتهم – كل ذلك، لتأجيج النار. جنود متعطشون للقتل، يحسدون رفاقهم في غزة، ويصبّون جام غضبهم على الأرض".
 
خلاصة القول، سوف تُشكل معركة الضفة المقبلة خطراً داهماً على مستقبل القضية الفلسطينية، حيث أن المخطّط الصهيوني القديم-الجديد، والقاضي بأن يكون الأردن الوطن البديل للفلسطينيين، ينشط على نار حامية، فمشروع "الترانسفير" مستمر على الرغم من أنه ما زال داخل الضفة نفسها، والأردن يرقب ذلك، لكن السؤال هنا؛ ماذا لو استحال المخطّط واقعاً؟ كيف سيتصرَّفُ الأردنَ؟ وما هو مستقبلُ اتفاقِ وادي عربة؟.
تم نسخ الرابط