السبت 10 أيار 2025 الموافق 12 ذو القعدة 1446
عاجل
آخر الأخبار

أولادنا ليسوا لنا ................... بقلم الاستاذة هيام فرج

ياصور
منذ أن تلقينا أنا وزوجي العزيزدعوة للسفر لقضاء عطلة لدى أصدقائنا في الخارج , وما ان أبدينا النية لقبول هذه الدعوة , حتى انقلب نظام البيت رأسا" على عقب , وانقلب كياني كأم ستبتعد لفترة عن أولادها , فأمضيت الوقت بين سعادتي الطفولية للسفر والتعرف على بلد جديد والانخراط بتجربة جديدة , وقضاء بعض الوقت حرة بلا مسؤوليات, وبين قلقي من تركي للأولاد يتدبرون أمرهم لوحدهم على الرغم من بلوغهم سنا" تسمح لي بتركهم يعتمدون على أنفسهم , ورغم وجود جدهم وجدتهم في المبنى ذات الذي نقيم فيه , بل في الشقة أسفل شقتنا مباشرة , وهما نعم المعين وقت الحاجة .الا أنني لم أستطع السيطرة على مسلسل الأسئلة الذي يدور في رأسي .

كيف لي ان اترك الاولاد لعشرة أيام ؟ من سيوقظهم في الصباح الباكر للذهاب الى مدارسهم ؟ من سيرعى شؤونهم ؟ من سيتابعهم ؟ من سيحضر طعامهم ويغسل ثيابهم ويهتم بأشيائهم ؟ كيف سأترك البيت ؟ ومن سيحرص على نظامه ؟ بل ماذا لو انهارت أنظمته وقوانينه ؟ وماذا لو ... ؟ وماذا لو... ؟ أسئلة تبدو لا نهاية لها .

كنت أعقد الاجتماعات الدورية مع الاولاد , أذكرهم بواجباتهم , وبضرورة المحافظة على نظام البيت , وعلى ضرورة تحمل المسؤولية في فترة غيابي مع والدهم , اضافة الى بعض القوانين الجديدة التي تتناسب مع الحدث الطارىء , وهم يحاولون في كل مرة طمأنتي والتأكيد لي أن كل شيء سيكون على ما يرام وأن الامور ستكون بخير , مبدين الكثير من الجدية والمرونة والايجابية وتحملا" لأوامري وطلباتي وتمنياتي , ولم يطلبوا مني الا راحتي وامضائي عطلة طيبة لأنني أستحقها عن جدارة .

وحده زوجي كان يبدو وكأنه منفصل عن الحدث , لم أشعر أنه يشاركني القلق , كنت أراه يتابع أعماله اليومية بهدوء , وعندما يكون في البيت لا ينخرط في مناقشاتنا حول الرحلة , والتحضيرات , ووضع الخطط والأنظمة التي سترسو على البيت فترة غيابنا .

كنت في غرفة الجلوس أثرثر لهذا الزوج الصامت - كأبي الهول – كالعادة , أبثه قلقي ومخاوفي ومشاعري , وأشرح له عن التحضيرات والتوجيهات, وقائمة القوانين التي رتبتها ومهام الاولاد التي سأوكلها لهم ... كان يقلب في هاتفه المحمول ببرودة أعصاب منقطعة النظير, كمن يشعر بالملل أو اللامبالاة , دون أن يعيرني أدنى اهتمامه , وأنا أكتم غيظي وأكاد أغرق في انفعالاتي . حسم الاولاد الموقف بدخولهم الغرفة مبتسمين .

تولت ابنتي الحديث وابتسامة طفولية ساحرة تملأ محياها , تنظر الى أخيها الأكبرالذي يهز برأسه موافقا" على كل جملة تقولها : ان رحلتك يا أمي هي عشرة أيام وليس عشر سنوات , فأرجوك ألا تقلقي , لأننا قررنا أن نستغل فترة غيابك , فلن نذهب الى مدارسنا , ولن ندرس دروسنا , وسننام حتى الظهر, ولن نهتم بنظام البيت,ولن نقيم وزنا" لقوانينه , وسنقيم كل ليلة حفلة مجنونة وسندعو كل أصدقائنا , وسنسهر حتى الفجر, وسنرفع أصوات الموسيقى الصاخبة ,حتى يلتم علينا الجيران . نعتقد أنك سترتاحين الآن .عشرة أيام يا أمي , رحلتك هي فقط عشرة أيام . خرج الاولاد من الغرفة يتهامسون ويضحكون , أما أنا فكنت بحالة من الذهول جعلتني عاجزة عن الكلام أو الرد.
أما زوجي فنظر الي ضاحكا"بصوت عال على شكلي المدهوش , وعيني الجاحظتين , وفمي المفتوح , وقال لي مربتا" على كتفي : " نسيت ان اخبرك : لولاد كبروا " أكمل ضحكته الشامتة وهو يهز برأسه ... ومشى .

وكأنني استفقت من نوم عميق على أسئلة من نوع آخر تضج في رأسي , وتبدوأجوبتها وكأنها مستحيلة : أبهذه السرعة يكبرون ؟ هل مر كل هذا الوقت , دون أن أنتبه ؟ هل كنت أخنقهم بقوانيني وأنظمتي ؟ هل يعتبرون فترة غيابي عنهم مساحة حرية لهم ؟ وأنا متى تحولت الى نسخة طبق الأصل عن والدتي ؟ أو أنها أنانية الأم التي لا تريد أن تصدق بأن أطفالها سيكبرون , ويتخلون عن رعايتها لهم ؟ ...

تبسمت وعلى وجهي ألف علامة تعجب ودهشة , وقشعريرة تجتاح جسدي . تناهى الى مسمعي صوت السيدة فيروز آتيا" من بيت الجيران عبر نافذة غرفة الجلوس وهي تغني جبران خليل جبران " أولادكم ليسوا لكم ...." تبسمت واجتاحني إحساس غامر بالفرح وغنيت معها " أولادكم أبناء الحياة " .... أيقنت لحظتها أنني سأقضي رحلة رائعة , أما الاولاد... فحتما"... سيكونون بخير.
تم نسخ الرابط