لم يتوقّع الباحثون في مركز الدراسات اللبنانية أن تكون أرقام الفاقد التعليمي في المدارس الرسمية صادمة إلى هذا الحد. وبدا مفاجئاً لمحمد حمود، أحد معدّي الدراسة عن الفاقد التعليمي لدى طلاب الثانوي الأول (العاشر) مع نسرين شاهين ومهى شعيب، أن تأتي نسب النجاح ومعدلاتها من 10 متدنية جداً، لتلامذة خضعوا للامتحانات الرسمية قبل 4 أشهر من بدء إعداد الدراسة. فقد بلغت النسبة 3% في الرياضيات، 8% في اللغة العربية و13% في اللغة الإنكليزية. والفاقد التعليمي هو الفجوة بين الكفايات (معارف ومهارات) التي تعلّمها التلميذ وما اكتسبه وطبّقه من هذه الكفايات، ويعبر عن الخسارة العامة في المعارف والمهارات وما لها من انعكاسات على التقدم الأكاديمي اللاحق لدى التلامذة.
وأجرى الباحثون الدراسة على عينة عشوائية تضم 272 تلميذاً لبنانياً وسورياً، موزّعين على خمس محافظات (البقاع، الجنوب، الشمال، بيروت وجبل لبنان)، وأخضعوا تلامذة العينة لدورة عام 2018 الاستثنائية لامتحان في الرياضيات، ودورة عام 2015 الاستثنائية (الثانية) لامتحان في اللغة العربية، ودورة عام 2017 العادية لامتحان اللغة الإنكليزية. وجرى تصحيح المسابقات من أساتذة متخصصين، وفق معايير وزارة التربية.
وأوضح حمود أن اختيار الصف العاشر يعود إلى أن تلامذة هذا الصف تخطوا على الأقل امتحاناً موحداً لكل تلامذة لبنان، إضافة إلى أن هؤلاء مروا بتحديات وإضرابات طيلة أربع سنوات، ويُفترض أن يتضمن امتحانهم الرسمي كفايات ثلاث سنوات متتالية (السابع والثامن والتاسع). ويشير إلى أنه جرى التحقق من الفاقد التعليمي الحالي للتلامذة، إضافة الى الفاقد التعليمي لتلامذة اليوم مقارنة بطلاب ما قبل الأزمة، وهو ما سمّته الدراسة فاقداً أولَ وفاقداً ثانياً، ولا سيما أن منهاج بعض المواد خضع لتغيرات، بحيث تمّ تقليص وحذف بعض الكفايات الأساسية التي كانت تُدرّس للتلامذة في الماضي. وبناءً عليه، بلغ معدّل علامة نجاح التلامذة في مادة الرياضيات 1.78 من 10 عندما لم تؤخذ في الاعتبار الكفايات المحذوفة للممتحنين (فاقد أول) و2.37 من 10 عندما جرت مراعاة الكفايات المحذوفة من المنهج في السنة التي خضع فيها التلامذة للامتحانات الرسمية، أي في عام 2023 (فاقد ثان)، ما يعني أن الفروق بين الفاقد الأول والفاقد الثاني ليست كبيرة. وفي اللغة العربية، بلغ معدّل النجاح 2.33 من 10 (فاقد أول)، و3.12 من 10 (فاقد ثان). أما في اللغة الإنكليزية فبلغ المعدّل 2.79 من 10، ولم يتمكن الباحثون من استخراج الفاقد الثاني، إذ لم تتضمن دورة 2017 العادية كفايات محذوفة، مقارنة بامتحانات ما قبل الأزمة.
اللافت في نتائج الدراسة أنها لم تظهر فوارق ذات دلالة إحصائية في مستوى الفاقد التعليمي بين الذكور والإناث، وبين التلامذة اللبنانيين والسوريين، وبين التلامذة المعيدين لصفوفهم وغير المعيدين، وبين مختلف المحافظات اللبنانية، ما يدل على أن الفاقد التعليمي يشمل جميع التلامذة بغضّ النظر عن الاختلافات الديموغرافية والمناطقية، وإن حظيت بيروت بمعدّلات أفضل من بقية المحافظات في الرياضيات واللغة الإنكليزية، والبقاع في اللغة العربية، فيما بدا وضع محافظة الشمال الأكثر سوءاً بين المحافظات الخمس.
ومن أسباب الضعف المشتركة بين المواد خسارة التلامذة لأشهر تعليمية خلال أزمة كورونا، وتراكم الإضرابات، والتدريس عن بعد، وإلغاء بعض الدروس التي هي سلسلة ضمن الحلقة التعليمية، ما أدّى إلى تراكم في نقص الكفايات وضغط في إنجاز الدروس في الصف التاسع (البريفيه).
وذكرت الدراسة أن الضعف في الرياضيات سببه الرئيسي اعتماد الأساتذة في التدريس على حل بعض المسائل بطريقة واحدة، فيما يعود الضعف في اللغة العربية إلى مراحل التأسيس، والترفيع التلقائي في المدارس الرسمية، وغياب الرقابة على الأساتذة، وعدم اعتماد استراتيجيات تدريس فعّالة، وانعدام المطالعة، واستخدام لغة الإنترنت في المراسلة من جانب التلامذة، وعدم التحدث بالفصحى خلال حصة اللغة العربية من جانب معظم المعلمين.
وفي اللغة الإنكليزية، يعطي الأستاذ القواعد للحفظ مع تمارين محدودة، بينما يتوجب عليه أن يوظفه في التعبير حتى لا ينساه التلميذ، فيما معظم أساتذة المرحلة المتوسطة يعطون نصوص تعبير جاهزة للحفظ ومن ثم يكتبها التلميذ كما هي. وفي التوصيات العامة، تطالب الدراسة بضرورة وضع خطة وطنية لمعالجة الفاقد التعليمي، من خلال توفير برامج تعليمية تكميلية للتلامذة مع ضرورة تدريب الأساتذة في المدارس الرسمية على أساليب تدريس فعّالة.