وطنية - صيدا - في جولة على مراكز ايواء النازحين في صيدا قصص تُروى عن ماضٍ لا يمضي في معاناة التهجير والنزوح وكأن التاريخ يستنسخ نفسه مع اهل الجنوب الذين قاوموا وصمدوا لعقود وما زالوا في وجه العدو الاسرائيلي.
في أروقة مدرسة "المربية ثريا فارس ابو علفا" عائلات متعبة أرهقتها رحلة النزوح الاخيرة بعدما أمضت ساعات طويلة على الطريق وصل بعضها إلى حدود الـ 12 ساعة في رحلة وصفها بعضهم انها "الاصعب في حياتنا"، هنا عائلة نزحت بعدما بالكاد التقطت انفاسها ولم يتسنى لها حتى حزم امتعتها وأخرى حملت مع امتعتها وجعًا وغصة كبيرة بترك البيت والأرض قسرا حفاظا على ارواح فلذات الأكباد.
في أروقة المدرسة وداخل الصفوف عائلات تتقاسم جدران غرفة واحدة بعدما تقاسمت مرّ النزوح والخوف. تقول امال ( 22 عامًا ) التي نزحت من بلدة الشعيتية : "أمضينا سبع ساعات على الطريق حتى وصلنا إلى صيدا وانقطعنا من مادة البنزين قبل ان نستطيع تأمينها للسيارة لإكمال هذه الرحلة الصعبة".
أضافت: "هربنا تحت القصف كانت الشظايا تتطاير حولنا وبالكاد خرجنا من منازلنا من دون ان نأخذ معنا أمتعتنا حتى".
أما فاطمة ( 27 عامًا ) التي نزحت من بلدة الشهابية قضاء صور فقالت والغصة تخنق صوتها رغم محاولتها إظهار ثباتها امام أطفالها : "أمضينا سبع ساعات على الطريق و"جينا بالتياب اللي علينا أنا وتمان اشخاص .. الله وحدو عالم فينا كيف وصلنا".
اما حسن زينب النجار وهو رب عائلة فملامح وجهه اختصرت حزنا ووجعا كبيرين، بدت عيناه تائهتين عندما سألته ان يروي لنا كيف كانت رحلة نزوحه سكت قليلا قبل ان يستدرك بأنها "كانت الرحلة الاطول والأصعب"، وقال: "نزحنا في البداية من يارون الى بنت جبيل ومن ثم سير الغربية ومن ثم إلى صيدا كانت القذائف والصواريخ تتساقط علينا على طول الطريق قبل ان نصل إلى اتوستراد الزهراني" .
أضاف: "أمضينا عشر ساعات واضطررنا إلى أخذ طرق وعرة فرعية هربا من جحيم القصف الذي لم يتوقف لم نجلي معنا سوى الثياب التي نرتديها عائلتي وأنا 12 شخصًا".
ويكمل بحزن ممزوج بأسى وغضب:" لقد اصبحت من دون عمل وأتناول دواء اعصاب. الوضع الأمني أجبرنا على ترك بيوتنا وأشغالنا وانا رب عائلة لولدين علي وعباس، من سيعيننا".
وفي باحة الملعب افترش العم حسين فرشة أعطيت له ووضع نظارات سوداء على وجهه محاولا استراق قيلولة بعدما لم يذق النوم طوال اليومين الماضيين سألناه: لماذا لا تجلس في الصفوف؟ أجاب انه جاء يطلب ملاذا لكن " قالولي المدرسة فولت جيت من الحوش قضاء صور بسيارتي اللي تكسر إزارها من القذائف اللي كانت عم تنزل علينا طول الطريق ما صدقت وصلت لهون وقلتلن نومة بالكوريدور افضل ما تنفجر فيي القنبلة أنا وقاعد ببيتي".
تجلس احلام سليمان على كرسي خشبي من مقاعد صفوف المدرسة فيما بدت الصدمة واضحة على وجهها وتقول : "أمضينا ليلتنا على الطريق نزحنا من عيتيت خرجنا من منازلنا تحت القصف والنار قبل ان تقاطعها ابنتها التي لا تتعدى الخمسة أعوام".
تنظر أحلام إلى طفلتها قبل ان تستدرك: " القصف كان شغالًا من كل صوب أتينا بثيابنا".
أما مريم عيسى فتقول:" تهجرت في البداية من بنت جبيل الى معركة وكنا وقتها في مجلس عزاء قبل ان يسقط صاروخ بالقرب منا وتتطاير علينا الحجارة ويتم اقتلاع خيمة العزاء فاضطررنا إلى ترك معركة " بالتياب اللي علينا ولما وصلنا عالعباسية نزل صاروخ قدامنا ". ثم فتحت هاتفها لتريني بعض الصور التي وثقت استهداف صاروخ بالقرب من مجلس العزاء وهي تردد " شوفي الدمار .. والله رعب علينا ".
اما زينب وهي نزحت ايضا من معركة فقالت:" ان المشوار الذي كان يستغرق نحو نصف ساعة إلى صيدا استغرق معنا هذه المرة نحو 15 ساعة. كان مشوارَا مرعبًا جدًا، زحمة سير، كنا خمسة اشخاص داخل السيارة وبقينا ست ساعات على الطريق من دون أن يتحرك السير وصوت القصف شغال".
اما هدى احمد المصطفى من بلدة البستان الحدودية فبادرتني بابتسامة قبل ان تقول:" اعتدنا على التهجير منذ بدأت الأزمة في 7 تشرين الأول حين تهجرنا من البستان الشريط الحدودي ونزلنا إلى قضاء صور وتنقلنا بين بيت وآخر من العباسية ولما اقترب القصف أتينا إلى صيدا".
تابعت : "الحمدلله ع كل شيء. نحن 21 شخصًا في الغرفة من عيلة واحدة تركنا منازلنا الخامسة عصرًا ووصلنا الثالثة فجرًا إلى صيدا، مكثنا في السيارة حتى السابعة صباحًا لنستدل على مراكز الإيواء".