
احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية هي أحد المؤشرات المهمّة للوضع النقدي في لبنان، وكان استنفادها في السنوات الأولى للأزمة أحد العوامل التي فاقمت المشكلة. عادت هذه الاحتياطات لترتفع أخيراً، لكن هذا الأمر خاضع لظروف يستغلها المصرف المركزي الآن لتمتين هذا الحساب، وهو ليس مؤشّراً على صحّة الأوضاع النقدية.
استطاع مصرف لبنان في المدة الماضية أن يجمع احتياطات بالعملات الأجنبية، حتى بلغت هذه الاحتياطات نحو 11 مليار دولار أخيراً. هذه الاحتياطات كانت نتيجة الدولرة التي شهدها البلد، والتي أسهمت في توسّع القاعدة النقدية المتداولة بالدولار في السوق. خلق المصرف المركزي شحّاً بالليرة في السوق، وكان ذلك واضحاً بعد تضييق الكتلة النقدية في التداول والتي بلغت في شباط 2023 نحو 83 تريليون ليرة، لكن مصرف لبنان استطاع أن يسحب هذه السيولة من السوق حتى بلغت 40 تريليون ليرة في أوقات مختلفة في المدة الماضية.
مع هذا الشحّ في الليرة، أصبح مصرف لبنان المصدر الأكبر لليرة، لذلك أصبح من يريد أن يدفع الضرائب للحكومة يحتاج إلى تحويل دولاراته إلى ليرات، وذلك عبر مصرف لبنان، الذي يشتري الدولارات ويبيع الليرات للمؤسسات والشركات والأفراد، وبعد دفع الضرائب تبقى الليرات في حسابات الدولة لدى مصرف لبنان. وبذلك، استطاع المصرف أن يبني احتياطات إضافية بالعملات الأجنبية.
هناك مؤشرات عدّة ترتبط باحتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية. أولها، مؤشر تغطية الواردات بالاحتياطيات الذي يقيس عدد الأشهر التي يمكن أن تغطي فيها الاحتياطيات النقدية الصافية قيمة الواردات الشهرية المتوسطة. عندما يكون هذا المؤشر مرتفعاً، يعني أن الدولة تملك احتياطيات أجنبية كافية لتعويض وارداتها لأشهر عدة قادمة من دون الحاجة إلى قروض إضافية أو الضغط على سعر الصرف، ما يعزّز الاستقرار الاقتصادي ويطمئن المستثمرين والمستوردين.
أمّا إذا كان المؤشر منخفضاً، فتشير الاحتياطيات إلى تغطية شهر أو أقل من الواردات، ما يعرض البلد لمخاطر انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع كلفة الاستيراد أو اللجوء لتقييد الواردات، وزيادة احتمال تدهور سعر العملة المحلية ونشوء ضغوط تضخمية. هذا المؤشّر انخفض خلال الأزمة، بطبيعة الحال، بسبب استنفاد احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية في السنة الأولى بعد الأزمة، عبر سياسات الدعم وعبر تهريب الأموال، كما إن الاستيراد عاد إلى مستويات ما قبل الأزمة.
في 2019 بلغ هذا المؤشّر 19.13 (أي إن الاحتياطات كانت تغطي هذا العدد من الأشهر من الاستيراد)، في 2023 بلغ هذا المؤشّر 4.88. يشير هذا الأمر إلى أن الارتفاع في احتياطات مصرف لبنان في المدة الأخيرة غير كافٍ للطمأنة بأن الوضع النقدي عاد إلى مكان جيد.
مؤشر نسبة الاحتياطيات الأجنبية إلى الدين الخارجي قصير الأجل (Reserves to Short‑Term Debt Ratio) يقيس قدرة الدولة على تغطية التزاماتها الخارجية المستحقة خلال الاثني عشر شهراً القادمة عبر احتياطياتها من النقد الأجنبي. عندما يكون هذا المؤشر مرتفعاً، يعني أن الاحتياطيات كافية لتسديد أو إعادة تمويل معظم أو كل ديونها قصيرة الأجل، ما يعزز ثقة المستثمرين ويخفف الضغط على سعر الصرف ويقلل من مخاطر الأزمات المالية المفاجئة.
أما إذا انخفض المؤشر إلى مستويات منخفضة، فتكون الدولة عرضة لصدمات خارجية—مثل تراجع الصادرات أو سحب الاستثمارات—لأنها قد لا تملك ما يكفي من العملات الصعبة لسداد الديون الآجلة عاجلاً أو تأمين إعادة تمويل لها، ما قد يدفع إلى خفض التصنيف الائتماني وارتفاع كلفة الاقتراض وزيادة الضغط على سعر العملة المحلية. هذا في البعد النظري، أما في الواقع، فلبنان متوقّف عن سداد ديونه أصلاً منذ سنة 2020.
لكن، يمكن النظر إلى هذا المؤشّر كعلامة للوضع النقدي الذي تبدأ منه أي محاولة للتعافي أو استقامة المسار الاقتصادي. في 2024 لم يكن هذا المؤشّر بعيداً كثيراً من مستواه سنة 2019، إذ بلغ السنة الماضية 0.23 (23% من الديون القصيرة الأجل) بحسب صندوق النقد، أما في 2019، فقد بلغ 0.3. المشكلة في احتساب هذا المؤشّر اليوم في لبنان، أنه من غير الواضح ما هي الديون القصيرة الأجل على الحكومة اللبنانية، بسبب وضع التوقف عن السداد.