أنا وابنتي ...وبعض انغام من الموسيقى ............. بقلم الاستاذة هيام فرج

كان طعم القهوة طيبا" , وكأنني أتذوقها للمرة الاولى , يؤنسني كتاب جبران خليل جبران " النبي " في يدي اليمنى , وبضع ركلات محببة من جنيني ,لا تهدأ الا بلمسات من يدي اليسرى على بطني , وابتسامة حنون تحتل وجهي , واحساس بأنني امتلك العالم كله في هذا الرحم .
كان شعوري بالفخر عارما" تجاه هذا المخلوق في داخلي , الذي لا أعرف جنسه , لكنني كنت أشعر في ذاتي الدفينة... بأنها فتاة .
كانت تتمطى بوداعة وعذوبة وبدلع كل البنات , وكل تمنياتي في تلك اللحظات ألا يكون المكان في الداخل ضيقا" أو معتما" , وأنا أستمتع بكل هذه المساحة الرحبة والنور الدافىء, المتسلل من بين بضع غيمات ناصعة البياض تسبح في لوحة السماء الزرقاء , ومن حولي تتفتح بضع زهرات فواحة تنشرأريجها في الأنحاء , تربض في أحواض فخارية تزين شرفتي , وتبث فيها الحياة , حتى تكاد تبدو كحديقة في مقتبل العمر .
ليكتمل المشهد كنت استمع الى احدى المقطوعات الرائعة التي تبث عبر احدى المحطات على الراديو الترانزستور العتيق الملقى على الطاولة أمامي , تصدح منه موسيقى اسبانية قديمة على آلة الغيتار الرائعة .
ما زالت يدي اليمنى تحمل كتاب " النبي ", وأنا أقرأ بعينين حالمتين : " دعوا الحاضر يعانق الماضي بالذكرى والغد بالحنين " , ويدي اليسرى ما زالت تربت على بطني بنعومة , وكأنني أراقصها, وسمعي مخطوف بأنغام اشبه ما تكون بترتيلة ملاك , والزهور تتراقص مع الالحان , وقهوتي ... ألذ ما قد تكون .
مرت عشرون سنة على هذه الذكرى , التي أيقظتها داخلي ابنتي ذات يوم من أوائل أيام الربيع , ونحن نتناول قهوتنا الصباحية على شرفتنا , ونستمتع معا" بنسائم الربيع الثلجية القادمة من الجبال المطلة في الأفق البعيد , كانت تحمل بيدها كتاب " النبي " وتقول لي : " ما رأيك لو نستمع لبعض الموسيقى ؟ " -طبعا" ... وافقت في الحال .
صدحت أنغام الغيتار من هاتفها الخلوي , ترنم تلك الموسيقى الاسبانية الرائعة . تطلعت الي بوجه يغمره مزيج من الفرح والدهشة والاستغراب والتساؤلات , وانفرجت أساريرها : " ماما , هل هناك أروع من هذه الموسيقى؟ , لا أعرف ... ولكنني أشعر انني عشت هذا الموقف من قبل ؟ وهذه المعزوفة... كأنني رقصت على أنغامها ... في زمن بعيد ... أيعقل في ... حياة أخرى ؟ "