عمليتا القدس بعيون إسرائيلية: فلسطين على صفيح ساخن بقلم د.مهدي عقيل
المصدر : 180post تاريخ النشر : 01-02-2023 12
تحدثت الكثير من التقارير العبرية عن خشية من تدهور الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال شهر رمضان الموافق لشهر آذار/مارس المقبل. لكن فات كتبة هذه التقارير أن لعبة النار مع جنين لن تمر بهدوء أو بانحناءة رأس.

لم يثأر خيري علقم لشهداء جنين التسعة وحسب، الذين أرداهم العدو، يوم الخميس الماضي، إنما ثأر أيضاً لجده خيري الذي قتله أحد الكهانيين المتطرفين قبل 25 عاماً (13 أيار/مايو 1998) طعناً بالظهر، ولم يعطه القضاء الإسرائيلي، على جاري عادته، حقه برغم أنه من حملة البطاقة الزرقاء (الجنسية الإسرائيلية). وحتى الأمس القريب كانت هذه القضية عالقة، إلى أن أتى الحل على يد الحفيد.

“قتل الفلسطينيين يحرك فلسطينيين آخرين من اجل تنفيذ عمليات، وقتل اليهود يحرك الحكومة وقوات الأمن لنشاطات عنيفة أكثر فأكثر، نتائجها هي عدد آخر من القتلى” حسب ما جاء في مقال نير حسون في “هآرتس”.

ويوافقه الرأي زميله في نفس الصحيفة جدعون ليفي، ويذهب إلى أبعد من ذلك، ويحمل مسؤولية دماء القدس للحكومة الإسرائيلية بقوله “ليس فقط دماء القتلى في جنين، بل دماء في القدس، هي بشكل غير مباشر على يد من صادقوا ونفذوا العملية في مخيم جنين”.

ويختم حسون مقاله بالتحذير من خطورة وجود إيتمار بن غفير على رأس وزارة الأمن القومي، ويرى أنه في “الأيام القريبة القادمة.. بالتأكيد سنشاهد المزيد من هدم البيوت وعمليات الاعتقال والعقاب الجماعي واليد الحرة للقوات على الأرض. دوائر أخرى ستفتح والأفق سيتبخر”.

وفي نفس السياق، يقول عاموس هرئيل في هآرتس أيضاً: “المخرب في نفيه يعقوب، الذي قتل على يد رجال الشرطة، أصبح بطلاً قومياً في شرق القدس وفي “المناطق”. في المدن الفلسطينية تمت مشاهدة مظاهر الفرح العلنية على المذبحة ضد المواطنين العزل، التي حدثت قرب كنيس، هذه أسطورة ستبث الإلهام لدى شباب آخرين، لذلك فان الأيام القادمة يُتوقع أن تكون حاسمة”.

وقد بدا الجيش الإسرائيلي في الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان، بعد اقترافه مجزرة جنين، بأنه لا يكترث أو يتوقف أمام ما يصدر من تقارير وتقدير موقف من مراكز الأبحاث المختلفة، وحتى من المراكز التابعة له، لا سيما معهد الأمن القومي (INSS) الذي حذر في تقييمه الاستراتيجي المُقدم إلى رئيس الأركان، من أن “التهديد الأكثر إلحاحًا لـ“إسرائيل” في عام 2023، هو التصعيد في الساحة الفلسطينية”، فقد تم تحديد الساحة الفلسطينية بأنها الأكثر تفجراً في العام الحالي. ورأى التقرير أن هناك تزايداً في حالة الصحوة الفلسطينية الثورية، والتي يمكن أن تشتعل أكثر رداً على تحركات الكيان ضد الفلسطينيين.

وبدا أيضاً أن جيش العدو لا يتعظ من دروس التاريخ، أو بالأحرى، لم يراجع تاريخ جنين النضالي من ثلاثينيات القرن الماضي إلى أيامنا هذه. فاختيار المناضل عز الدين القسام منطقة جنين لقيادة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال والانتداب لم يأتِ من فراغ. قدّمت جنين نموذج الكتائب المحلية المُوحدة لقوى المقاومة، وقدم أسراها نموذج عملية النفق. في جنين ما أن يسقط شهيد حتى يحلُّ مكانه شهيد جديد.

جيل الانتفاضة الثالثة المرتقبة لا يشبه أسلافه، لا سيما بعد عملية إبن الثلاثة عشر عاماً محمد عليوات (عملية القدس الثانية)، فكل المحاولات واقتراحات المعالجة مرشحة للفشل. إذ يرى يوسي يهوشع في “يديعوت أحرونوت”، الصحيفة التي تُعبّر عن وجهة نظر الجيش الإسرائيلي، أنه “يجب العمل في ثلاثة أشكال في موضوع السلاح: الأول، إغلاق الحدود مع الأردن ومصر ولبنان. وهذا بالفعل عمل صعب، ولكنه واجب الواقع. الثاني، حماية أكثر تشدداً لقواعد الجيش لمنع السرقات. والثالث، الحاجة لعمل ميداني لجمع الأسلحة. بداية في القدس، حيث هم التحدي الأكبر، وبعد ذلك أو حتى بالتوازي، في مناطق الضفة. الحقيقة أنه بات متأخراً عمل ذلك، لكن إذا لم تنفذ هذه العملية المركبة على الإطلاق، فسيوجه هذا السلاح إلينا في النهاية في مواجهة واسعة”.

بدوره، الكاتب في صحيفة “معاريف” بن كسبيت يعتبر أنه “لا توجد ضربة واحدة وانتهينا، لا يوجد ابتكار لامع. حرب الأيام الستة انتهت. نحن في حرب السنين أو العقود أو أكثر من هذا. ما لم توجد في الطرفين قيادة مستعدة للتحدث عن نهاية النزاع، سيستمر النزاع”.

إسرائيل في وضع لا تحسد عليه، ربما لم تشهد مثيلاً له منذ نشأة الكيان عام 1948، وما ينبغي أن يقلق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فضلاً عن الوضع الأمني المتدهور، هو أن عشرات آلاف الإسرائيليين ملأوا الميادين والشوارع في الاحتجاج الجماهيري الشعبي، قبل عمليتي القدس الجمعة والسبت الماضيين. ليست هناك مبالغة في وضع إسرائيل الداخلي ومساره الآخذ بالهبوط من صدع داخلي يجتاح المجتمع إلى بداية هروب الاستثمارات، والخوف من تخفيض التصنيف الائتماني إلى انعدام الأمن. فهل تدرك حكومة إسرائيل أن الأمن لا يتحقق بالقوة وأن القوة تستدعي قوة مقابلة أو على الأقل تخلق مناخات من الغضب وستنفجر حتماً؟

بعد عشرين عاماً يفقد جدار الفصل العنصري مبررات بنائه، ويفقد فائدته والذرائع الأمنية التي بني من أجلها، ويظهر ضعف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقلة حيلتها في مواجهة العمليات المنفردة في قلب الكيان. ويظهر أيضاً تخبط تلك الأجهزة في معلومات مغلوطة حول هوية منفذ عملية “نافيه يعقوب”، بتسريبها أسمين (فادي عياش ورائد الكرمى) لا علاقة لهما بالحادث إلى أن توصلت إلى معرفة هوية المنفذ.

وعليه، يبدو أن حبل نجاة إسرائيل الوحيد لتأخذ بثأرها وتعيد ما تبقى من ماء الوجه، هو الاستنجاد بوزير خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلنكين الذي في طريقه، اليوم، إلى تل أبيب، بعد محطته الأولى، أمس، في القاهرة، حثّ الأخيرة لكي تلعب دور الوسيط والمهدّئ للأوضاع داخل فلسطين المحتلة.

فلسطين تقيم هذه الأيام على صفيح ساخن، و”مقاومة وحدة الساحات” من غزة إلى الضفة يدها على الزناد.. لننتظر ونرَ.

   

اخر الاخبار