
الرئيس الأميركي دونالد ترمب رجل سياسي قادم من عالم الأعمال، وبالتالي يفضّل الفعل والإنجاز على الخطابات الفارغة والاستعراض.
هذا الملخّص يوحي بطبيعة الرجل المائلة إلى السرعة في التنفيذ، وما يجري مع إيران من مفاوضات، وقبلها مع الحوثيين، وبين الروس والأوكرانيين، أوضح مؤشر. إذاً، لا يفضّل ترمب الاستعراض وإضاعة الوقت، لا سيما من قبل رجالات أو مسؤولين في عهده، ونائبة المبعوث لشؤون الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس ينطبق عليها التوصيف نفسه.
أحاديث كثيرة سرت حول زيارة مرتقبة لأورتاغوس إلى بيروت، إلا أن التحقيق في هذه الأخبار يكشف غياب أي أساس فعلي لها. لا برنامج واضح، ولا تحضيرات دبلوماسية، ولا حتى تنسيق من السفارة الأميركية. كل ما في الأمر تسريبات إعلامية، ربما صنعتها دوائر لبنانية أرادت تضخيم دور أورتاغوس أو منحها طابعاً مصطنعاً.
كان من المفترض أن تزور أورتاغوس بيروت خلال النصف الأول من الشهر الجاري، وذلك بحسب ما ألمحت إليه خلال زيارتها الأخيرة. ومع مرور الموعد وظهور مؤشرات توحي بعدم حصول الزيارة، بدأت تتبلور معطيات تشير إلى رغبة أميركية في التخفيف من اندفاعة مبعوثتها في الملف اللبناني.
ويبدو أن هذا التراجع ناجم عن تقارير عدة، سواء لبنانية محلية أو أميركية، أبدت استياءً واضحاً من أداء المبعوثة الأميركية، التي يبدو أنها أزعجت الدوائر السياسية اللبنانية بخطابها وسلوكها.
تشير المعطيات إلى أن رئاسة الجمهورية كانت من بين الأطراف التي احتجت على أداء أورتاغوس لدى البيت الأبيض، خصوصاً خلال ظهورها الإعلامي الأخير. ويقال إن دوائر القصر الجمهوري أوصلت رسائل اعتراضية حول هذا الأداء إلى الإدارة الأميركية، مترافقة مع شرح مفصل حول المقتضيات والضرورات والتعقيدات السياسية اللبنانية التي يجب مراعاتها. وقد خلصت هذه الرسائل إلى أن مواقف أورتاغوس تُحدث إرباكاً سياسياً وتوتراً داخلياً، لا يخدم الاستراتيجية التي تعمل عليها رئاسة الجمهورية اللبنانية.
الانزعاج لم يقتصر على بعبدا. حتى السفارة الأميركية في بيروت، أبدت، حسبما يتسرّب، انزعاجاً من الطابع الذي تعتمده أورتاغوس حيث تتصرّف كـ”ذراع إعلامية” لا مبعوثة سياسية.
وإن كان البعض في لبنان يعتبر تصرفات أورتاغوس متعمّدة، يشير أكثر من رأي محسوب على الأميركيين إلى أن مبعوثتهم تتصرف خارج الأطر التي تفرضها وتعممها واشنطن، وهو ما تسبب بإحراج دفع إلى تحييدها – ولو مؤقتاً – عن المشهد.
تفيد بعض المصادر بأن مورغان أورتاغوس جاءت خلال زيارتها الأخيرة مسلّحة بتوجيهات من الإدارة الأميركية. وقد بدت مختلفة تماماً عن زيارتها الأولى، التي تبنّت خلالها خطاباً حاداً وغير مألوف تجاه حزب الله من على منبر قصر بعبدا، حيث شكرت إسرائيل على “مجهودها” في “القضاء على الحزب”، ما دفع رئاسة الجمهورية إلى التحرك.
وعلى قاعدة “الطبع يغلب التطبع”، عادت أورتاغوس إلى نغمتها التحريضية، متجاوزة ما طلبه البيت الأبيض، لتنزلق مرة أخرى خلال إطلالتها الإعلامية الأخيرة إلى خطاب يحمل نبرة قاسية، عندما وصفت حزب الله بأنه “سرطان يجب استئصاله”، وهو موقف يناقض الرغبة الأميركية المعلنة على الأقل، والتي لم تُظهر خلال المدة الماضية أنها تسعى إلى إنهاء الحزب كلياً.
وقد فُهم أن أورتاغوس بدأت تتصرف في الملف اللبناني كوديعة لنتنياهو وليس كممثلة عن واشنطن. وفي ظل حالة الانزعاج “الترمبي” من نتنياهو، من غير المتوقع أن يُبقي الرئيس الأميركي أحداً داخل البيت الأبيض يتبنى استراتيجيات مخالفة لتوجهاته، تماماً كما حصل مع مستشار الأمن القومي جورج والتز.
في الواقع، نحن أمام تغيير محتمل في التكتيك الأميركي حيال الملف اللبناني، ويشمل هذا التغيير أورتاغوس نفسها، التي يبدو أن مصيرها بدأ يُطرح بجدية في واشنطن، خصوصاً مع اقتراب تنصيب ميشال (مايكل) عيسى سفيراً جديداً للولايات المتحدة في بيروت، خلفاً للسفيرة الحالية ليزا أ. جونسون. وتفكر إدارة ترمب في تعيين شخصية جمهورية عملت سابقاً على ملفات الشرق الأوسط، لتكون بديلة محتملة لأورتاغوس، دون أن يعني ذلك استبعادها الكامل، بل إن وضعها الحالي أقرب إلى التحييد المؤقت عن الملف اللبناني أو التدخل فيه بشكل مباشر.
مع ذلك، ما تزال أورتاغوس تحتفظ بقنوات اتصال مباشرة مع مستويات سياسية داخلية في لبنان، وقد أُعيد تحريكها في ضوء التصعيد الإسرائيلي الأخير في الجنوب، الذي شمل عمليات قصف واسعة طالت مواقع في مرتفعات النبطية – كفرتبنيت.
يقول مصدر مطّلع إن أبرز المؤشرات على مدى استعداد الإدارة الأميركية لتغيير نهجها في الشأن اللبناني – ممثلاً بأورتاغوس – هو استبدال فكرة إنشاء لجان تفاوض، بالإبقاء على لجنة الإشراف الحالية، بل وتعزيزها بضابط إضافي برتبة جنرال يقيم في مبنى السفارة الأميركية ويتابع الملفات لحظة بلحظة. ورغم إبقاء واشنطن على خاصية عدم انعقاد اللجنة، إلا أنها ما تزال تتبادل الرسائل مع جميع الأطراف المعنية ضمن الآلية المتفق عليها سابقاً، مع وجود خط دائم ومفتوح للتواصل في حالات الضرورة.