يتكلم نتن ياهو عن الشرق الأوسط الجديد، ولكن لم نعلم ما هو هذا الشرق الأوسط الجديد الذي يتكلم عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية. انه باختصار سيطرة "إسرائيل" الكاملة على كافة الشرق الأوسط من البحر المتوسط الى الفرات من الغرب الى الشرق ومن جبال لبنان شمالاً الى شبه جزيرة سيناء جنوباً.
فإذا أخذنا ما طلبه مندوبو اليهود الصهاينة في سنة 1919 في مؤتمر الصلح باريس المنعقد سنة 1919 للنظر في تركة الامبراطورية العثمانية، فنجد انّ ما طلبه هؤلاء المندوبون برئاسة شايم وايزمن وعضوية كلّ من سوكولاوف واوسيزشكن.
لقد طلبوا ان تكون حدود فلسطين شمالاً بجوار جنوب مدينة صيدا وباتجاه تدفق المياه (الليطاني) من مرتفعات تلال لبنان الى جسر القرعون ومن بعدها الى البيرة ومروراً بمحيط وادي القرم ووادي التيم والهبوط جنوباً مروراً بالوديان بين الانحدارات الشرقية والغربية لجبل الشيخ (هرمون) الى محيط بيت جن، ومن بعدها باتجاه الشرق يتبع نهر مغنية قريباً من غرب خط سكة الحجاز الحديدية.
ومن جهة الشرق بخط بمحاذاة خط سكة حديد الحجاز وينتهي في خليج العقبة.
ومن الجنوب سوف يتفق على الحدود مع الحكومة المصرية. ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط. واي ترسيم للحدود هذه مع تعديلاتها سوف يتمّ الاتفاق عليه مع لجنة خاصة تقام لهذه الغاية ويكون من أعضائها تمثيل لليهود(1)
إذن... كانت مطالب اليهود الصهاينة بضمّ جزء كبير من لبنان الى جنوب صيدا على الساحل البحري ومن ثم صعوداً على مجرى نهر الليطاني بضفتيه وأكثر الى القرعون (جسر القرعون سابقاً والآن سد القرعون) وضمّ وادي التيم ووادي القرم وجبل الشيخ ونهري الوزاني والحاصباني ومن ثم ضمّ قسم من سورية يضمّ نهر مغنية الى غرب سكة حديد الحجاز وبمحاذاة هذا الخط الذي يمر من الأردن الى خليج العقبة.
أما من ناحية مصر، فقالوا ان سوف يتفق على الحدود معها مع الحكومة المصرية، حيث كانت مصر خاضعة للاحتلال البريطاني في ذلك التاريخ.
بالإضافة الى هذه المذكرة كان سبق أن طلب وايزمن من رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج المؤيد لليهود الصهاينة ان يطلب من رئيس وزراء فرنسا كليمنصو سنة 1918 ان تكون حدود فلسطين الشمالية الى الليطاني بضفتيه الشمالية والغربية وذلك للاستفادة من مياهه كلياً ويذهب الخط باتجاه الشرق الى القرعون كما طالبوا بها في مؤتمر الصلح سنة 1919 في 3 شباط.
ولكن كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا، رفض رفضاً تاماً هذا المطلب وأمر ان تكون حدود فلسطين الشمالية في الناقورة. فقال لويد جورج لوايزمن كلمته الشهيرة "انه لربما بعد خمسين سنة يمكن لإسرائيل ان تحصل على ما تريد، ايّ ان تكون حدودها الشمالية عند نهر الليطاني"(2). و"إسرائيل" دولة لم تعلن عن حدودها.
واننا نرى الآن الدمار الهائل في القرى اللبنانية الجنوبية من قبل جيش "إسرائيل" هو لمنع المواطنين اللبنانيين من العودة الى منازلهم المدمّرة، وبالتالي تريد "إسرائيل" ضمّ هذه الأراضي الى كيانها. واذا نجح نتن باهو بضمّ هذه الأراضي او قسم منها فسوف يُعتبر من اليهود الصهاينة الكبار من مؤسّسي الصهيونية اليهودية ومن مؤسّسي دولة إسرائيل كوايزمن وبن غوريون وهرتزل وسوكولوف وسوسينشن وغيرهم.
وأذكر هنا عن مقالة للكاتب الإسرائيلي عوزي دايان في 14/1/2024 ونشرت في صحيفة "معاريف" حيث كتب "أن لا تسمح إسرائيل لحزب الله كحزب إرهابي يفوق حماس قوّة، واقترح إقامة منطقة عازلة سمّاها بمنطقة "موت" Death Zone تمتدّ هذه المنطقة من حدود إسرائيل الى نهر الليطاني وتفرض على المواطنين اللبنانيين والسكان في هذه المنطقة من مغادرتها الى شمال النهر، وعلى الجيش الاسرائيلي الذي هو وحده من سيتحكم بهذه المنطقة ويدمّر كافة البنى التحتية بسلاح الجو الاسرائيلي من طرقات سدود مياه وكهرباء وغيرها ومن يبقى من السكان يكون هدفاً مشروعاً لنيران قوات الجيش الإسرائيلي".
واننا اليوم نرى ما حصل في الجنوب حيث دمرت قرى كاملة كذلك دمّرت بلدات ومدينة النبطية، والجيش الإسرائيلي وسلاح الجو الإسرائيلي يدمّر كلّ يوم في هذه المنطقة تحت حجة وجود حزب الله فيها وغيرها من الحجج، والهدف هو تهجير أهالي تلك المنطقة، وقد هجرهم بالفعل والهدف الأكبر هو ضمّ هذه المنطقة الى كيانه تحت حجج واهية من أنّ سكان المستوطنات في المناطق الشمالية يتعرّضون للخطر من قوات حزب الله. لكن هؤلاء السكان مجهّزون تجهيزاً كاملاً من سلاح وملاجئ وغيره لمواجهة أخطار كهذه.
إذن الهدف واحد بالنسبة لـ "إسرائيل" وهو ضمّ جنوب لبنان حتى الليطاني او أكثر، وذلك للاستفادة من الأراضي والمياه في هذه المنطقة، وأيضاً الضمّ من بعدها سوف يمتدّ الى ضمّ مناطق أخرى من لبنان وسورية والأردن كما ذكر الصهاينة اليهود في مذكراتهم الى مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 في 3 شباط، كما ذكرت آنفاً. وقد طالب هربرت صموئيل (3) حين كان وزيراً في حكومة اسكويش سنة 1916 (4) ان تضمّ فلسطين بيروت ودمشق، ولكن ردّ هذا الطلب حيث قيل لهربرت صموئيل انّ هاتين المدينتين موعودتان كي تكونا تحت السيطرة الفرنسية حسب اتفاقية سايكس بيكو السرّية.
وهذا إذا حصل سوف يقسمون ما تبقى من سورية الى دويلات إتنية طائفية صغيرة غير قادرة على مواجهة هذه الدولة القوية "إسرائيل" التي سوف تستجلب مزيداً من اليهود اليها. سوف تكون هنالك دولة كردية من أربيل الى اللاذقية مروراً بالموصل. وسوف تشكل دولة علوية من الشاطىء الممتدّ من اللاذقية الى بانياس وطرابلس، وسوف تكون هنالك دولة سنية في الداخل من دمشق الى حمة ودولة درزية الى ما تبقى من سورية لجهة الأردن اي درعا والسويداء.
والأردن سوف يكون دولة أصغر حيث ستأخذ "إسرائيل" نهر الأردن بضفتيه إلى العقبة.
هذا هو مشروع اليهود الصهاينة، وهذا سوف يبدأ بضمّ جنوب لبنان الى كيانه، حيث دولة لبنان في الحضيض منذ انفجار مرفأ بيروت، التباطؤ الاقتصادي من جراء داء "كوفيد 19"، وقبل ذلك وبعده الانهيار المالي المدوّي من جراء الفساد المستشري بين السياسيين وأتباعهم وتفريغ المؤسسات. وعدم انتخاب رئيس للجمهورية. الوقت مناسب تماماً لـ "إسرائيل" لتوسعة حدودها شمالاً في جنوب لبنان، ومع الأسف أميركا والدول الأوروبية الغربية تساندها او لا تفعل شيئاً لإيقافها. دمّرت غزة حيث تريد ضمّها إليها وقتلت المدنيين والنساء والأطفال ولم تستطع اية دولة أوروبية فاعلة او الولايات المتحدة إيقافها. هذا هو الشرق الأوسط الجديد الذي يتكلم عنه نتن ياهو...
1 ـ هذا ما ورد في: Pre State Israel: Zionist Organization Statement on Palestine at the Paris Peace Conference in February 3, 1919.
2 ـ محاضرة ألقاها الدكتور زين زين في الجامعة الأميركية في بيروت في ستينيات القرن المنصرم.
3 ـ وهو يهودي مناصر للصهاينة وكان ثاني يهودي بعد دزرائيلي يصبح في وزارة بريطانية.
4 ـ ذكر هذا الطلب في رسالة دكتوراه من قبل ادام هوغان لجامعة اكستر في أيلول 2020 وهربرت صموئيل عيّن أول مندوب سامي لفلسطين من قبل بريطانيا 1920.
5- رسم خريطة فلسطين التي طالب بها اليهود الصهاينة في مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919
- حدود الدولة التي طالب بها اليهود الصهاينة في مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919