لماذا نُصدّق أنّ "يناير" أطول شهور السنة؟
"لماذا يطول يناير يا ترى، فلا ينتهي سريعاً كغيره من الشهور؟".
"عام جديد قد بدأ، وحان الوقت لأكتشف نفسي. سأخطط لمستقبلي وأغيّر حياتي وأبدأ بتنفيذ مشروعي الخاص، فهذا العام هو عامي، New Year, New me”".
بهذه العبارات المليئة بالشغف والحماسة، نستقبل العام الجديد. لكن سرعان ما نجد أنفسنا أمام أيام كانون الثاني (يناير) الباردة ولياليه الطوال، التي تحمل مزيجاً من التحديات والفرص والعهود التي قطعناها على أنفسنا مع بداية العام، ما يجعله يبدو الشهر الأطول بين شهور السنة. فنتساءل: "لماذا يطول يناير يا ترى، فلا ينتهي سريعاً كغيره من الشهور؟".
يتجاوز شعورنا بطول يناير التقويم الزمني، ليصل إلى أسباب نفسية اجتماعية ثقافية. ولا تقتصر تجربة "يناير الطويل" هذه على بلد واحد أو منطقة بعينها، بل يشعر بها كثيرون في مختلف أنحاء العالم. نعرض لكم هنا الأسباب التي تجعل يناير مختلفاً عن باقي الشهور، ونلقي الضوء على عوامل نفسية واجتماعية تُضفي عليه طابعاً خاصاً.
أولاً، التحدي النفسي المرتبط بـ"عام جديد، ’أنا‘ جديد"
تُشير الاختصاصية النفسية والاجتماعية لانا قصقص إلى أن أبرز الأسباب وراء هذا الشعور تكمن في التحديات النفسية والاجتماعية التي تطرأ مع بداية العام الجديد. ففي يناير، يضع الكثيرون على أنفسهم عبء تحقيق أهداف كبيرة وتغييرات جذرية تحت شعار "عام جديد، ’أنا‘ جديد" (New Year, New Me). وهذه الضغوط تجعل الفرد يشعر بالإحباط أحياناً عندما لا يحقق ما يتوقعه بسرعة، ما يؤدي إلى بطء في إدراك الوقت وشعور بثقل الأيام. وتوضح قصقص لـ"النهار": "لا يمكن تحقيق تغيير جذري في أيام قليلة، بل يحتاج الإنسان إلى خطة تدريجية لتطوير ذاته، وتُشكل التوقعات المبالغ فيها ضغطاً نفسياً يؤدي إلى شعورنا بأن الشهر يطول أكثر مما ينبغي".
ثانياً، الفراغ النفسي بعد أجواء ديسمبر الاحتفالية
بعد ديسمبر المليء بأجواء الأعياد، والتجمعات العائلية، والاحتفالات، يبدأ يناير بجوّ من الهدوء النسبي والعودة إلى الروتين اليومي. هذا الانتقال المفاجئ من الصخب والفرح إلى الهدوء والانضباط يجعلنا نشعر بنوع من الفراغ النفسي الذي يُبطئ إدراكنا للوقت، فنرى أيام يناير أطول مما هي في الواقع.
ثالثاً، الضغوط المالية بعد موسم الأعياد
يؤدي العامل المادي دوراً فعالاً ويُعدّ سبباً من الأسباب الملموسة التي تجعل يناير يبدو أطول من غيره. ففي الكثير من الشركات، يتقاضى الموظفون رواتبهم في النصف الثاني من ديسمبر، أو في بداية أسبوعه الأخير، لتغطية تكاليف الأعياد والنشاطات الاحتفالية، فيواجهون بداية يناير بميزانية محدودة أو شبه معدومة. هذه الضغوط المادية تجعل الأيام تبدو كأنها تمر ببطء شديد، لذا على الشخص أن يحسن تدبير أموره المالية حتى نهاية الشهر.
رابعاً، الركود الجسدي والنفسي في قلب الشتاء
تتابع قصقص: "يناير هو قلب الشتاء. تسيطر فيه البرودة على الأجواء وتقلّ أشعة الشمس، ما يؤدي إلى زيادة الشعور بالخمول والركود"، مضيفة أنه "في هذه الفترة، يعاني كثيرون من انخفاض مستويات الطاقة، فيفضّلون قضاء وقت أطول داخل المنزل أو تقليل نشاطاتهم مقارنة بباقي الشهور، ما يعزز الإحساس ببطء الوقت وثقل الأيام". وتقول: "بينما يُخفي ديسمبر بروحه الاحتفالية وأجوائه الدافئة أثر الشتاء القاسي، يأتي يناير ليضعنا أمام واقعه البارد والصامت، وهذا يسهم في تضخيم الشعور بالركود والهدوء الذي يُهيمن على الأجواء".
خامساً، ترسيخ فكرة "يناير الأطول" في ثقافتنا
يبدو أن للفكرة بذاتها دوراً كبيراً في شعورنا بأن يناير هو الأطول بين شهور السنة. فقد تربّينا على هذه الفكرة في عائلاتنا، إذ تكرّر هذا الوصف حتى أصبح أشبه بحقيقة نفسية نصدّقها ونعيد تأكيدها في كل عام. وحتى من لا يعانون من ضغوط مالية أو تحديات نفسية في يناير، فقد يشعرون بالإحساس نفسه بسبب الترسيخ الثقافي للفكرة، ما يعزز الإحساس الجماعي بأن الشهر سيطول.
إننا نختبر، إذن، يناير الذي يجمع بين شغف البدايات والتحديات بطريقة مختلفة عن باقي الشهور، ما يشكل لدينا فكرة "يناير الطويل". ولعلّ فهم الأسباب التي تكمن وراء هذا الشعور يتيح لنا التعامل معه بوعي أكبر، فالتغيير ليس وليد ساعات أو أيام، بل هو خطط وخطوات مدروسة تثمر تدريجاً مع التزامنا ومثابرتنا، على مدار الأشهر والسنين.