
الغضب عند الاطفال: اسبابه, وعلاجه
بقلم : د. الشيخ جمال بري
بسم الله الرحمن الرحيم
يعتبر انفعال الغضب من أكثر الانفعالات شيوعا عند الأطفال ؛ ذلك لأن المواقف التي تثير غضبهم أكثر من المواقف التي تثير انفعالات أخرى عندهم كالخوف مثلا , وتكون النتيجة المباشرة لغضبهم هي السلوك العدواني الخارجي في أغلب الأحيان ، ويتجلى غالبا في الاعتداء بالضرب والركل وشد الشعر ورمي الأشياء أو إطلاق التعابير الساخطة والقيام بحركات استهزاء بالوجه أو باليدين أو الاتجاه إلى تحطيم الممتلكات.
وقد يرتد السلوك العدواني ، الذي يثيره الغضب المتكرر نحو الذات عندما لا يتيسر العدوان الخارجي فيولد بعض المظاهر السلوكية غير المرغوبة كالشراهة ، أو الانزواء أو قضم الأظافر أو صريف الأسنان أو التبول الليلي وغيرها .
ومما لا شك فيه أن الغضب الذي يثير السلوك العدواني تعززه وتدفع إليه أسباب عديدة أبرزها :
1- أسباب ما قبل الولادة : ( الأسباب الرحمية )
من الممكن اعتبار أن الشرارة الأولى للسلوك العدواني تنطلق منذ لحظة انعقاد النطفة ؛ فإذا كان الزوجان متوترین ويفتقران الى التفاهم والتوافق والاستقرار المنزلي ، فإن حالتهما النفسية والجسمية تكون غير عادية ، وتكون كهربائية الجسم لديهما عالية مما يؤثر في عملية التلقيح ، كما ان الاب او الام او كليهما اذا كانا يتعاطيان الكحول والعياذ بالله, فان هذا المسلك يؤثر بدوره على الجنين وتكون الحصيلة طفلا عدوانيا غالبا .
ويكون الأمر على عكس ذلك فيما إذا كان الزوجان متوافقين ، يعيشان بطمأنينة وهدوء وغير مبتلَين بمشاكل الإدمان ، ويكون التلقيح في جو آمن ومُرضٍ ، فيأتي الطفل إلى الدنيا ميالا إلى الهدوء لا إلى السلوك العدواني .
كما وتؤثر حالة الأم النفسية والجسمية على الجنين منذ تكونه وأثناء نموه ، فإذا تعرضت الحامل لمواقف تزيد من انفعالاتها وتفقدها اتزانها فإن ذلك سيؤدي إلى ازدياد حركة الجنين ، لأن انفعالات الأم تؤثر في كهربائية جسمها مما يؤثر بدوره على ازدياد إفراز الغدد الجسمية التي تنعكس تداعياتها على كيفية نمو الجهاز العصبي للجنين وتطوره الانفعالي الذي يتأثر بالظروف المحيطة بالحامل بشكل مباشر .
هذا وتلعب صحة الأم الجسمية أيضا دورا رئيسا في تكون ونمو الجنين, فالنقص الحاد في المواد الغذائية يؤدي إلى إصابة الطفل بضعف الأعصاب منذ ولادته ، ولربما أدى ذلك إلى إصابته بالتخلف العقلي المبكر .
كما أن تناول الأم الأغذية الفاسدة أو تعاطيها للأدوية والعقاقير الضارة بالجنين أو تعرضها للأشعة السينية والذبذبات الكهرومغناطيسية يؤدي أيضا إلى تشوهات وإصابات نفسية وجسمية وعصبية مختلفة تحكم سلوك الفرد غالبا فيما بعد ..
۲- أسباب ما بعد الولادة:
وتتلخص في إحباط الحاجات الأساسية للطفل وحرمانه من إشباعها ، وهي دوافع عامة مشتركة بين الأطفال ، وقد سميت أساسية لأنها تشتق منها حاجات فرعية أخرى . وتتضمن هذه الحاجات :
الحاجات العضوية ، الحاجة إلى الأمن، الحاجة الى الحب والحنان ، الحاجة إلى التقدير الاجتماعي ، الحاجة إلى توكيد الذات والتعبير عنها ، الحاجة إلى الحرية والاستقلال ، الحاجة إلى الاستطلاع واكتساب خبرات جديدة ، والحاجة إلى اللعب .
إن إهمال الأهل في إشباع حاجات أولادهم الأساسية أو استخدام أساليب خاطئة في تلبيتها أو تنظيمها ، سيؤدي إلى آثار لا تحمد عقباها ، فإن أكثر الأمراض النفسية والجسمية والاضطرابات السلوكية تعود جذورها إلى فترة الطفولة وهي الفترة الأكثر حساسية في حياة الإنسان .
ولذلك كانت الأسرة - ولا تزال - المعمل الأول لتخريج الأصحاء أو ذوي العاهات والأسقام كافة .
وقاية الأطفال من الغضب والحد من سلوكهم العدواني :
تقع مهمة الحد من السلوك العدواني والآثار الناجمة عنه على عاتق المجتمع بأسره . وتبدأ هذه المهمة في الأسرة ؛ لأنها المؤسسة الأولى التي تقوم بتشكيل شخصية الطفل ، فهي تلعب دورا رئيسا في غرس الأنماط السلوكية لدى الطفل ، وتعتبر المراحل الأولى التي يقضيها الطفل بين أحضان الأهل حتى البلوغ من أهم المراحل في حياته , ولذلك يجب الاعتناء بطرق التنشئة الاجتماعية السليمة التي تتلخص في النقاط التالية :
1- تعتمد تربية الطفل في سني حياته الأولى على الأم خصوصا ، ولذا ينبغي اختيار الزوجة الصالحة كما اوصى الاسلام الحنيف ، لأنها ستتولى مهمة تربية الأجيال . وبالمقابل فإن الأب غير الصالح أو المأزوم نفسيا أو الذي يفتقر إلى الثقافة الضرورية في أسس التربية السليمة ، ستكتوي أسرته بأزماته وسلبياته على المدى القريب والبعيد .
۲- يجب الاهتمام بالطفل ، والعمل على إشباع حاجاته باتزان وحكمة, وننصح بألا يحصل على ما يريده تحت ضغط البكاء أو الصراخ ، كما لا يصح التحايل عليه أو تدليله أو ضربه في هكذا حالات . ويحسُن عدم توجيه الانتباه إليه إذا قام بثورة غضب لسبب غير معقول .
٣- لا يصح مناقشة سلوك الطفل مع غيره على مسمع منه ، كذلك لا يصح معاقبته أمام الآخرين الا في موارد استثنائية .
4- لا يجوز استفزاز الأطفال واستثارتهم بقصد التسلية او اهانتهم وجرح مشاعرهم او اثارة غيرتهم ، كما لا يجوز إثارة غضبهم بمنع امتياز معين كالحرمان من المصروف أو حرمانه من شيء يحبه دون سبب وجيه .
لا يصح السماح بالاعتداء على الممتلكات الخاصة للطفل, فالطفل كثيرا ما يغضب على اخيه او زميله اذا عبث بأدواته او بألعابه او اجباره على اعارة اشيائه من دون اذنه ورضاه.
٥- لا يصح إظهار الأطفال بمظهر العجز أو الاستهزاء بقدراتهم أو تخويفهم بقصد تهدئتهم ، كما أن السماح لهم بالتعبير عن انفعالاتهم وتعليمهم كيف يعبرون عنها أفضل وأصح من اجبارهم على كظمها.
6 - على الوالدين الحذر من إظهار أي سلوك عدواني خلال معاملتها للأطفال كي لا يتعلم الطفل الأساليب العدوانية منذ الصغر .
فالطفل يحاكي ويقلِّد الكبار في عنفهم وهدوئهم ، ويجب أن يعتمد التعامل بين أفراد الأسرة على التسامح والتعاون حتى يكوِّن الطفل اتجاهات سلوكية إيجابية ، وإن حدثَ أن وقع شجار بين الأبوين ، فلا يحسن على الإطلاق أن يدور رحاه أمام أعين أطفالهم .
۷- عدم إشعار الطفل بأنه غير مرغوب فيه أو أنه عالة على الأسرة أو نبذُه بطريقة أو بأخرى .
۸- تجنب التمييز والمقارنة بين الأطفال ، أو تفضيل واحد على الآخر لأي سبب كان حتى لا يخلق ذلك مشاعر الغيرة والحقد والكراهية فيما بينهم .
9- تجنب مكافأة الطفل على سلوكه العدواني ؛ لأن التعزيز والمكافأة والمديح يكرسان ویقویان الاتجاه العدواني لديه .
۱۰- مراقبة ما يشاهده الطفل من برامج وأفلام ، وما يختاره من ألعاب الفيديو والتطبيقات المتوفرة على الاجهزة الذكية التي تمجِّد العنف .
۱۱- ينبغي ألا يعاقب الطفل على ارتكابه الأخطاء التافهة ، كما يجب الابتعاد عن القسوة والعنف حال عقابه على مسلکیات تم تنبيهه عليها ؛ لأن هذا الأسلوب الخاطئ يولد لدى الطفل توترا وغضبا, ما يؤدي إلى التنفيس عن ذلك بالسلوك العدواني داخل البيت أو خارجه وخصوصا في المدرسة.
۱۲ - ينبغي تزويد الطفل بالألعاب المختلفة المناسبة لعمره قدر الإمكان ، وإتاحة الفرصة له أن يلعب بحرية وفي جو آمن ، دون تدخل الأهل في كل صغيرة وكبيرة, بل الاكتفاء بمراقبته فقط ، كما لا يضر إفساح المجال لفك الألعاب واكتشاف ما بداخلها ، ولا يصح معاقبته إن أفسد بعض ألعابه في مثل هذه المواقف, فالفضول في معرفة ما تتركب منه الأشياء ينمي حس الابتكار والإبداع لدى الأطفال.
۱۳- لا يجوز تكليف الطفل بأعباء منزلية ومدرسية فوق طاقته ؛ لأن ذلك من شأنه إثارة التململ والغضب لديه , ولربما أدى ذلك إلى تقصيره أو فشله أو شعوره بالعجز والإنهاك .
14- عدم التذبذب في معاملة الأطفال :
فالتقلب في معاملة الطفل بين اللين والشدة أو بين القبول والرفض واعتماد المزاجية يؤثر على مسلكية الطفل وصحته النفسية ، فإذا به يثاب على العمل مرة ويعاقب عليه هو نفسه مرة أخرى ، أو يعاقب على اعتدائه على الغير تارة ولا يعاقب تارة أخرى ، أو يجاب إلى مطالبه المشروعة حينا ويُحرم من تلبيتها حينا آخر دون سبب وجيه ، أو يقاصص إن أخذ شيئا من المنزل ويُمدح إن أخذ شيئا من خارجه ، فالتربية ليست مزاجا بل منهاج .
لذلك يعتبر التذبذب في معاملة الطفل عاملا سلبيا مؤثرا في سلوك الطفل وشعوره بالغضب والتوتر مرة وبالقلق والحيرة مرة أخرى ، فهو غير قادر على تكوين فكرة ثابتة عن السلوك الصحيح أو الأخلاق المرغوبة ، كما تهتز ثقته بوالديه ولا يدري إن فعل شيئا أيثاب عليه هذه المرة أم يعاقب ؟ وربما أدى ذلك إلى اعتماده أساليب ملتوية كالكذب والخداع و المراوغة بدلا من اعتماده سلوکا یعلمُ متى يثاب عليه ومتى يعاقب
وفي الختام, ينبغي على الابوين الرساليين ان يتحملا مسؤولياتهما الابوية كاملة , فيعدان نفسيهما جيدا عبر الاطلاع الوافي على جوانب تربية الابناء من الناحية البدنية والروحية والاخلاقية والفكرية والصحية والنفسية والانفعالية والجنسية والاجتماعية والجمالية والبيئية, وكل ما يحتاجه الطفل حتى يتخرج من مدرسة الاسرة سليما مؤمنا معافى يرضى عنه ابواه ويكون فخرا لمجتمعه وأمته .