الأربعاء 25 حزيران 2025 الموافق 29 ذو الحجة 1446
عاجل
آخر الأخبار

دكتوراه بلا مضمون: أزمة الضمير الأكاديمي في لبنان

ياصور

تشهد بعض الجامعات في الآونة الأخيرةانحدارًا خطيرًا في معاييرها الأكاديمية، ما انعكس في حالات صارخة من التهاون في منح الشهادات العليا، وعلى رأسها الدكتوراه والماجستير. لم تعد الشهادة العليا، في عددٍ من هذه المؤسسات، ثمرة جهد علمي رصين، بل تحوّلت في بعض الأحيان إلى مجرّد لقب يُمنح بلا استحقاق، ضمن بيئة يغيب عنها التمحيص وتضعف فيها الرقابة.
والأخطر من ذلك هو التواطؤ الصامت أو القبول القسري داخل بعض الأطر الجامعية، حيث تُمنح الشهادات لأشخاص لم يلتزموا بالحد الأدنى من متطلبات البحث العلمي. (أطروحات تُعدّ خارج جدران الجامعة ولجان مناقشة تُدعى لتبارك بدل أن تناقش، وألقاب تُوزّع على من لم يعرفوا يومًا معنى الجهد العلمي أو النقد المنهجي).
إن هذه الممارسات لا تسيء فقط إلى صورة الجامعات،بل تقوّض الثقة بكل الشهادات الصادرة عنها. حين تُساوى شهادة دكتوراه حقيقية، كتب صاحبها كل سطر فيها عن قناعة وبحث وسهر، بشهادة وُضعت بلا جهد وبلا فكر، نكون أمام أزمة مصداقية تهدّد البنية الأكاديمية الوطنية بأسرها.
هذه ليست مشكلة فردية، بل أزمة بنيوية تمسّ الضمير الأكاديمي، وتطرح تساؤلات جوهرية حول معايير الجودة، ودور هيئات الاعتماد، وفعالية الرقابة الجامعية والرسمية.
ان منح الدكتوراه لمن لا يستحقها هو انتهاك لحق الطالب المجتهد، وتشويه لصورة الجامعة، وإساءة للعلم والمجتمع معًا. إنها جريمة تربوية كاملة الأوصاف، تتطلب وقفة نقدية ومحاسبة واضحة.
من هنا، أدعو كأكاديمي وكمواطن، إلى فتح نقاش وطني حول واقع الشهادات العليا في لبنان، ومباشرة إصلاحات جريئة تبدأ من إعادة الاعتبار للبحث العلمي، وتفعيل آليات الرقابة، وربط منح الشهادات بالاستحقاق لا بالانتماء وبالاجتهاد لا بالتحايل. 
نعم هناك متسع من الوقت لإنقاذ ما تبقى من الكرامة الأكاديمية، قبل أن يفقد اللبنانيون إيمانهم بأن الشهادة الجامعية هي ثمرة علم، لا سلعة تُباع وتُشترى.


د. عدنان يعقوب
أستاذ جامعي وباحث أكاديمي
 حزيران 2025

تم نسخ الرابط