سيناريوهات الطقس المقبلة: أعاصير وسيول جارفة

يتذكر رئيس مصلحة الارصاد الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي المهندس مارك وهيبة أن آخر مرة شهدنا على سوء طقس شبيه بالعاصفة الرعدية البارحة، كان في أواخر التسعينيات. فقد مر لبنان حينها بمنخفض جوي مصحوبا بكتلة هوائية باردة في شهر آب، نتجت عنه عواصف رعدية وحبيبات برد كبيرة ألحقت خسائر كبيرة في السيارات وزجاج المباني.
لكن هل تعتبر العاصفة البارحة طبيعية، أم هي تنذر بما هو أسوأ في الأيام والسنوات المقبلة؟ يعتقد وهيبة أن الامر طبيعي وغير مقلق. فبشكل عام عندما تحصل عواصف رعدية في هذه الفترة من السنة لا يمكن إلا أن تكون بهذه الحدة التي كانت عليها البارحة، ومرد ذلك إلى درجات الحرارة المرتفعة الاعتيادية في هذه الفترة من السنة.
ليس هناك ربط مباشر وسببي بين العاصفة التي حصلت والتلوث البيئي، أي الغازات الدافئة الملوثة التي تُحدث الاحتباس الحراري والتغير المناخي، بحسب وهيبة. ما حصل البارحة سببه وجود كتل هوائية دافئة محمّلة بكميات كبيرة من بخار الماء، مردها إلى كون الطقس ما زال دافئا ودرجات الحرارة مرتفعة، أي عكس الكتل الهوائية الباردة التي تستطيع استيعاب كتل مياه كبيرة داخلها كما يكون الوضع في فصل الشتاء.
وقد تزامن وجود الكتل الهوائية الدافئة المحملة بكميات كبيرة من بخار الماء مع وجود عدم استقرار في الطقس، أحدثه المنخفض الجوي، الذي مرّ به لبنان، ما أحدث عاصفة كثيفة البرق والرعد. وقد أدى مخزون بخار المياه الكبير إلى تساقط حبيبات برد ضخمة.
علمياً عندما تذوب القشرة الخارجية لحبيبات البرد بسبب الحرارة المرتفعة ولدى ارتطامها ببعضها البعض في الجو تلتحم معها وتشكل كتلة كبيرة لا تستطيع التيارات الهوائية الموجودة في الغيوم على حملها، فتتساقط بهذا الشكل.
يجزم وهيبة بعدم وجود ربط سببي بين عاصفة البارحة والتغيّر المناخي، سيما أن لبنان لم يشهد مثلها إلا منذ حوالي 28 سنة. لكن إذا تكرر هذا النوع من العواصف في السنوات المقبلة فسيكون ربطها بالتغيير المناخي أمراً طبيعياً. حتى الآن، السيناريوهات الموضوعة حول كيفية تغير الطقس بسبب التغير المناخي حسب الدراسات التي تقوم بها المنظمة العالمية للرصد الجوي، مقدّرة الحصول بين الأعوام الممتدة بين 2070 والـ2100. أما على المدى القريب فلا شيء ينذر بحصول مخاطر كبيرة بسبب التغيّر المناخي.
أما الدكتورة المتخصصة في التغير المناخي ساندرا فهد فتعتبر أن الحوادث الطبيعية التي شهدها العالم في السنوات العشرين الفائتة لم يشهد العالم مثلها على مر أكثر من مئة عام في القرن المنصرم، وسببها التغير المناخي الناتج عن فعل الإنسان. صحيح أن السيناريوهات التي تربط بين التغير المناخي والكوارث الطبيعية موضوعة للمدى البعيد، لكن عندما نصل إلى كوارث العام 2070 سنكون عملياً قد تحققنا من مدى صحة الدراسات الحالية والتقديرات المستقبلية. فغني عن البيان أن قطع الأشجار والتصحّر يؤدي إلى انزلاق التربة، وبأن الغازات المنبعثة من الفعل الإنساني تؤدي إلى الاحتباس الحراري، والذي يؤدي بدوره إلى حدوث الأعاصير والفيضانات وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى كوارث بيئية. وصحيح أن المسألة لا تتعلق بالتلوث الناتج من لبنان، لكن لا يمكن قياس التغير المناخي إلا بشكل كلي وعالمي. وأبلغ دليل على مدى فعل النشاط الإنساني على البيئة في لبنان السيول التي جرفت التربة في منطقة بعلبك منذ شهرين، والتي كان سببها قطع الأشجار، فتحوّلت المنطقة إلى شبه صحراء، بغض النظر عن كمية المياه التي سقطت هناك.
أما السيناريوهات المطروحة للمدى البعيد بسبب الاحتباس الحراري فتشير إلى حدوث كوارث طبيعية يصعب تقديرها وليس أقلها اشتداد قوة عوامل الطقس، أي حدوث أعاصير وعواصف رعدية أشد حدّة مما هي عليه اليوم. هذا فضلا عن السيول والفيضانات الكبيرة التي ستحدثها الأمطار الغزيرة. فعلى عكس الوضع الحالي الذي يتميز بحدوث أمطار معتدلة الغزارة وبمدة زمنية طويلة تستطيع التربة امتصاصها، ترجّح السيناريوهات هطول كميات الامطار نفسها، لكن بغزارة شديدة وبفترة زمنية قليلة لن تستطيع التربة امتصاصها ما سيؤدي إلى السيول الجارفة.