أزمة مياه حادّة... لبنان أمام كارثة حقيقية مع حلول آب

تعيش مناطق لبنانية عدّة على وقع بوادر أزمة مياه حادّة تُنذر بصيفٍ قاسٍ، مع تسجيل انقطاعات متزايدة، خصوصًا في القرى الجبلية والمدن الساحلية التي تعتمد أساسًا على مياه الآبار الجوفية والمصادر الموسمية المتقطعة.
التحذيرات المتداولة ليست مجرّد مخاوف، بل تستند إلى مؤشرات مناخية وبيئية مقلقة. فبحسب المتخصص في الأحوال الجوية الأب إيلي خنيصر، سجّل لبنان هذا العام "خسارة تتراوح بين 30 و40% من معدلات المتساقطات العامة"، ما انعكس مباشرة على منسوب المياه الجوفية، وأدى إلى جفاف كبير في التربة والينابيع والآبار.
وفي حديث لـ"ليبانون ديبايت"، يقول خنيصر: "ما زلنا في بداية الصيف، والأزمة الفعلية لم تبدأ بعد. لكن مع حلول آب، ستتفاقم الأزمة، وقد نشهد سوقًا سوداء لنقليات المياه، في ظل غياب الرقابة والعجز الرسمي. والموسم المطري الجديد لن يبدأ قبل تشرين الثاني، أي بعد ما لا يقل عن أربعة أشهر".
تراجع المتساقطات يكشف الأرض ويُفجّر أزمة العطش
على الأرض، بدأت علامات الأزمة تتبلور. من الجنوب إلى الشوف، ومن البقاع إلى كسروان، يشكو المواطنون من تراجع كبير في ضخ المياه. تقول ماري، ربّة منزل من دير القمر: "المياه تصلنا كل 4 أو 5 أيام فقط، ونضطر إلى تخزينها بخزانات صغيرة لا تكفينا لأيام... وإذا استمر الوضع على هذا النحو، لا نعرف كيف سنتدبّر أمرنا".
وفي جبيل، يشير المواطن جورج إلى تراجع كبير في نبع قريته: "لم يسبق أن جفّ بهذا الشكل في مطلع الصيف. المزارعون في حال قلق دائم، ونبحث عن مصادر بديلة لريّ الأشجار".
وتُفيد معلومات "ليبانون ديبايت" أن بلديات عدة تواجه صعوبات متزايدة في تأمين المياه للمنازل، في ظل ارتفاع متواصل لأسعار الصهاريج الخاصة، وغياب أي رقابة أو خطة دعم رسمية، ما يُنذر بفتح الباب على مصراعيه أمام الاحتكار والاستغلال.
"نشتري المياه بالدولار"... والأرض عطشى
في بعض بلدات الجنوب، يؤكّد أحد المخاتير أن الضغط على البئر الرئيسي "فاق قدرته"، ما اضطرهم إلى اعتماد جدول تقنين قاسٍ، وترك السكان أمام خيار الصهاريج التي تُباع بالدولار. "الناس عاجزة، ومن لا يستطيع الدفع يُحرم من الماء"، يقول بحسرة.
أما في البقاع، فيحذّر أحد المزارعين من كارثة زراعية مرتقبة: "نزرع البطاطا، وهي تحتاج إلى ري دائم. إن استمرّ الانقطاع سنخسر الموسم بالكامل، وهذا يعني عشرات العائلات بلا مدخول".
التحذيرات تتكرّر، لكن التحرك الرسمي لا يزال خافتًا. وبينما تتصاعد المخاوف من تحوّل الأزمة إلى كارثة إنسانية خلال أسابيع، لا يملك المواطن اللبناني سوى الانتظار… علّ الخريف يأتي مبكرًا، وتتحنّن السماء، كما يقول خنيصر، فتُعيد ملء الأرض بالخيرات.